12:22 مساءً / 20 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

بين نداء الأممية وهمس التاريخ ، بقلم : محمد علوش

بين نداء الأممية وهمس التاريخ ، بقلم : محمد علوش

لبّيت دعوة الرفاق في “الأممية الرابعة”، وكان اللقاء افتراضياً، غير أنّ وهج الفكرة بدّد برودة الشاشة، وحوّل الضوء إلى فضاء يتسع لعناق الأفق كلّه، وهناك جلست أصغي إلى صوت يتقاطع مع نبض الأزمنة، صوت الرفيق الكاتب اللبناني المقيم في لندن، جلبير الأشقر، وهو يفتح النوافذ على فلسطين والمنطقة، ويقارب رهانات ميزان القوى العالمي كما لو أنّه يمسك بخيوط التاريخ ويعيد نسجها من جديد.


لم يكن حديثه محصوراً في حدود الجغرافيا المأزومة، بل انبسط ليشمل خرائط العالم وما يتخلّلها من تحوّلات كبرى، من انهيار الإمبراطوريات القديمة إلى صعود قوى جديدة تبحث عن موقعها تحت شمس القرن الحادي والعشرين، وفلسطين، في قلب هذه الجدلية، ليست مجرد أرض محاصرة بالاحتلال، بل بوصلة ترشدنا إلى طبيعة الصراع الكوني، بين من يريد إبقاء العالم رهينةً لموازين الغلبة، وبين من يحلم بفتح نوافذ العدالة على الإنسانية.


كان الأشقر، بعين المثقف الماركسي المجرَّب، يحفر في العمق ليبيّن كيف تتقاطع دماء غزة مع حركة الأسواق في الغرب، وكيف يستثمَر وجعنا في لعبة المصالح، ومع ذلك، كان في كلماته بريق أمل، أنّ التاريخ لا يكتب بالحسابات وحدها، بل أيضاً بالانتفاضات، وبالوجوه التي تنهض من تحت الركام، وبالإصرار على أن الشعوب هي صاحبة الكلمة الأخيرة.


في تلك الندوة، شعرت أن الأممية ليست فكرة ولدت في القرن التاسع عشر ثم استهلكها الغبار، فالأممية، هنا والآن، هي قلب ينبض في شرايين المقاومات، وضمير يتحدّى عزلة الجدران، ووعدٌ بأنّ النضال الفلسطيني ليس يتيماً في هذا العالم، بل هو جزءٌ من سيمفونية أوسع، سيمفونية الإنسانية الباحثة عن عدلٍ يليق بكرامة البشر.


وإذ كان النقاش ينساب من فلسطين إلى أفق أرحب، حضرتني صور تجارب أممية أخرى، من فيتنام التي هزمت آلة الحرب الأميركية، إلى جنوب أفريقيا التي حطّمت نظام الأبارتهايد بالثبات والوعي الجمعي، وتشيلي التي قاومت الانقلاب العسكري وأعادت للحلم الاشتراكي حضوره بعد عقود من الجمر، وكل هذه المحطات التاريخية تذكّرنا أنّ النضالات العادلة قد تهزم مرحلياً، لكنها لا تمحى من وجدان الشعوب، بل تبقى نبعاً يتجدّد، يرفد الأممية بمعناها العميق، وحدة الإنسان في مواجهة الظلم، أينما كان.


خرجت من اللقاء وفي أذني صدى الفكرة، أنّ فلسطين ليست تفصيلاً في أجندة العالم، بل مرآة الحقيقة، ومن ينظر إليها يرى نفسه، إمّا في صفّ الطغيان، وإمّا في صفّ الحرية، وهكذا يتردّد، بين نداء الأممية وهمس التاريخ، سؤال المستقبل المفتوح على إرادة الشعوب، وإيمانها بأنّ العالم يمكن أن يكون أكثر عدلاً، وأنّ فلسطين هي الشرارة التي تضيء الطريق.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم السبت

اسعار الذهب اليوم السبت

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم السبت 20 سبتمبر كالتالي : سعر أونصة الذهب عالمياً …