10:43 صباحًا / 20 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

“ طمس الهوية عبر الأسماء التوراتية ، الجغرافيا الفلسطينية بين الذاكرة والتزييف ” ، بقلم : د. منى أبو حمدية

“ طمس الهوية عبر الأسماء التوراتية ، الجغرافيا الفلسطينية بين الذاكرة والتزييف ” ، بقلم : د. منى أبو حمدية

“طمس الهوية عبر الأسماء التوراتية: الجغرافيا الفلسطينية بين الذاكرة والتزييف” ، بقلم : د. منى أبو حمدية



لطالما كانت الأسماء الجغرافية أكثر من مجرد علامات على الخرائط؛ فهي تحمل ذاكرة الشعوب وهويتها. في فلسطين، تتجلى هذه الحقيقة بوضوح، حيث حاول الاحتلال الإسرائيلي استخدام الأسماء التوراتية كأداة لتزوير التاريخ ومحو الهوية الفلسطينية. إن إعادة تسمية المدن والقرى والجبال والأنهار والينابيع والخرب لا تمثل مجرد تغييرات لفظية، بل تشكل استراتيجية ممنهجة لإعادة كتابة الجغرافيا وطمس الذاكرة الوطنية. هذا المقال يستعرض الظاهرة التاريخية والمعاصرة لهذا الطمس، ويحلل أثرها على الهوية الفلسطينية، ويستعرض جهود المقاومة الثقافية والمعرفية لمواجهة التزييف.


تُعد التسمية عنصراً أساسياً في بناء الهوية الجمعية، فهي الرابط بين الإنسان وأرضه وتاريخه. في فلسطين، شهدت الجغرافيا تعاقب حضارات متعددة: الكنعانيون، الفينيقيون، الرومان، البيزنطيون، العرب، وغيرهم، وكل حضارة تركت بصمتها على الخرائط والأسماء. خلال هذه التحولات، لم تكن الأسماء مجرد رموز مكانية، بل شهادات على التاريخ والثقافة والوجود.


تتجلى العلاقة بين السلطة والتسمية بوضوح، حيث تستغل القوى الاستعمارية أو الاحتلالية التسمية كأداة للسيطرة الرمزية، لإعادة تشكيل الوعي الجمعي وفرض رواية تاريخية معينة. في حالة فلسطين، شكلت الأسماء التوراتية أداة مركزية لإضفاء الشرعية التاريخية على الاحتلال.


الاستراتيجية التوراتية في إعادة إنتاج الجغرافيا


شهدت فلسطين منذ بدء الاحتلال الصهيوني، ولا تزال، محاولات ممنهجة لإعادة إنتاج الجغرافيا عبر الأسماء التوراتية؛ وتتجلى هذه الاستراتيجية في:


⦁ إسقاط أسماء توراتية على المدن والقرى: فتحويل أسماء قرى فلسطينية الى أسماء توراتية للتقليل من الطابع العربي والإسلامي لهذه المواقع.

⦁ تغيير أسماء المعالم الطبيعية: مثل الأنهار والجبال والوديان، لتصبح جزءاً من الرواية التوراتية.

⦁ تثبيت الأسماء التوراتية عبر المؤسسات الرسمية: تشمل الخرائط المدرسية، المنشورات السياحية، والوثائق الحكومية، التي تعمل على تعزيز رواية الاحتلال وكأن الأرض تاريخياً “أرض الميعاد” الخالصة.


تهدف هذه العملية الخطيرة إلى خلق إحساس عالمي بـ”أصلية” الرواية التوراتية على الأرض الفلسطينية، وإخفاء الوجود التاريخي والثقافي الفلسطيني.


الأثر على الهوية والذاكرة الفلسطينية


يترك الطمس الاسمي آثاراً بالغة على الهوية والذاكرة الفلسطينية، إذ يسهم في:


⦁ محو الهوية الثقافية: حيث يصبح المواطن الفلسطيني عرضة لفقدان رابطه التاريخي بالأرض، ويزداد صعوبة نقل الجغرافيا الثقافية للأجيال القادمة.

⦁ تشويه الوعي الجمعي: عبر فرض سردية تاريخية زائفة، تفصل الفلسطينيين عن جذورهم وتُشعر العالم بوجود رواية بديلة للأرض.

⦁ الانعكاسات الدولية: تثبيت الأسماء التوراتية في الخرائط والوثائق الرسمية الدولية يجعل من الصعب تصحيح الرواية التاريخية، ويؤثر على الموقف السياسي والقانوني لفلسطين.
يعد هذا الطمس جزءاً من حرب أوسع على الذاكرة، لا تقتصر على الأرض وحدها، بل تشمل التعليم، الإعلام، والتاريخ المكتوب.


المقاومة الثقافية والمعرفية


رغم محاولات التزييف، تبرز جهود فلسطينية وعربية متعددة للحفاظ على الهوية الجغرافية والتاريخية، من بينها:
⦁ المخطوطات والرواية الشفوية: التي تحفظ أسماء القرى والبلدات الأصلية وتوثق تاريخها.

⦁ البحث الأكاديمي والدراسات الميدانية: تسعى لتوثيق الجغرافيا الفلسطينية الحقيقية، ومقارنتها بالخرائط الرسمية التي تحتوي على الأسماء التوراتية.

⦁ الإعلام والبرامج الثقافية: نشر الوعي بين الفلسطينيين والأجيال الجديدة حول أهمية التمسك بالاسم والتراث، وفضح محاولات الطمس.


يبرز هذا المحور أن الهوية الفلسطينية ليست قابلة للإلغاء، وأن المقاومة الثقافية والمعرفية تمثل سلاحاً حيوياً في مواجهة التزييف، فهي تحمي الذاكرة الوطنية وتؤكد وجود الشعب الفلسطيني على أرضه وتاريخه.

وفي الختام ؛ تمثل عملية طمس الأسماء الفلسطينية وإحلال الأسماء التوراتية مكانها، محاولة لإعادة كتابة التاريخ ومحو الهوية الوطنية. لكنها، رغم كل الجهود الاحتلالية، لا تستطيع القضاء على جذور الشعب الفلسطيني العميقة في أرضه وتاريخه.


ان المقاومة الثقافية والمعرفية تظل حائط الصد الأول أمام محاولات التزييف، وهي شهادة على صمود الشعب الفلسطيني وإرادته في الحفاظ على ذاكرته وهويته عبر الزمن. يبقى الاسم الفلسطيني، في مخطوطات التاريخ وفي ذاكرة الأجيال، شاهدًا حيًا على حقيقة الأرض والمكان والهوية .

  • – د. منى أبو حمدية – باحثة في التراث والآثار .

شاهد أيضاً

أردوغان لـ “نتنياهو”: لن نعطيكم حجراً واحداً من القدس

شفا – أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن تركيا لن تمنح أحدا ولو حصاة …