11:43 مساءً / 19 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

نقد مسرحية وكر الأفاعي للدكتورة ميسون حنا ، بقلم الصحفي نضال الخليل

نقد مسرحية وكر الأفاعي للدكتورة ميسون حنا ، بقلم الصحفي نضال الخليل

وكر الأفاعي – الفضاء المغلق بين الوجود والسمّ


قراءة في آليات الخوف والسلطة

في عمق الصحراء التي لا نهاية لها حيث يحترق ضوء الشمس ويتلاشى الأفق يقف المغامر ذلك الكائن المنهك يتلمس خطواته الثقيلة بثقل الإعياء ليرافقه الثعبان ذلك المخلوق الغامض نصفه إنسان ونصفه آخر من طينة أخرى.


من هذه البقعة القاحلة تبدأ رحلة الارتباط والتنافر حيث تتلاقى عناصر الصراع الداخلي والخارجي في رمزيات متشابكة تحمل عبء الوجود الإنساني على خشبة المسرح


النص المسرحي الذي أمامنا لا يقدم مجرد حكاية بصرية عن صراع بين رجل وثعبان بل يفتح نافذة على حالة وجودية عميقة متشابكة بتعقيدات النفس البشرية حيث الارتباط بالرعب والرغبة في النجاة وأطماع السلطة تنسج معاً خيوط سرد لا تترك مجالاً للراحة ولا تسمح للهروب من الحقيقة التي هي أكثر من مجرد سرد تمثيلي إنها استدعاء لمسرح الحياة بمرآته المشوهة


هنا في هذا النص نجد لعبة رمزية متقنة تدور حول فكرة “الارتباط القسري” بين كائنين متنافرين ورغم ذلك مجبرين على الاندماج والتعايش.


المغامر الذي هو الإنسان في لحظة ضعفه وإرهاقه يعكس صورة الإنسان المعاصر الممزق بين طموحه وألمه بين رغبته في تحقيق الذات وواقع الخوف الذي يلتهم قواه وبين ذلك “الثعبان” الذي يمكن أن نراه كمجاز للظلم للسلطة القمعية التي تلتصق بالإنسان وتلتهمه من الداخل لكنها في الوقت نفسه تظل ضرورية له للبقاء فالارتباط هنا ليس حرية بل قيد مرير محكوم عليه بالثبات في دائرة لا مخرج منها.


إن الثعبان في هذا المشهد ليس مجرد حيوان مفترس أو رمز عدائي بل هو “الوجود القسري” الذي يصاحب الإنسان ذلك الجوهر المظلم الذي يجسد مفارقة القوة والضعف الهيمنة والخضوع، الحياة والموت يتصرف كمرآة تعكس صراع الذات مع ذاتها حيث يستحيل الانفصال عن “الآخر” القسري الذي يشكل جزءاً من الكيان كأننا نرى في الثعبان تجسيداً لكل ما نخافه من قهر، من ظلم، من استلاب، لكنه في الوقت ذاته لا يسمح بالموت لأنه ذاته يهدد بالموت إن انفصلنا عنه
لغة النص تستخدم الحوار بمهارة فائقة لترسم تلك العلاقة المعقدة التي لا تسقط في فخ البساطة الدرامية بل تزداد تعقيداً كلما تقدم المشهد.


فالمغامر يتحدث عن إرهاقه وموته القريب والثعبان يقاطعه بتذكيره الحاد بأنه “ميت لا محالة” هنا التعبير عن الهاوية التي يواجهها الإنسان حينما يقف أمام حدود قدره التي لا مفر منها في هذا الحوار تنشأ لعبة توازن دقيقة بين الأمل واليأس، بين القوة والضعف لا يربح فيها أحد بل يظل الكائنان في حالة من التوتر الدائم حيث يشكل كل منهما تهديداً للأخر ورغم ذلك التهديد يتعذر انفصالهما.


النص يعكس أيضاً رؤية نقدية عميقة للسلطة كآلية تنبع من “الثعبان” وتغذيها صراعات الهيمنة بين الكائنات التي تبدو مختلفة لكنها في جوهرها متشابكة في لعبة البقاء.


إن الزعيم والثعابين الأخرى إضافة إلى المهرج الأكبر وكبير الثعابين كلها رموز سياسية واجتماعية تتشابك في إطار سردي يعكس تناقضات السلطة والهيمنة داخل المجتمع حيث تتقاطع المصلحة الشخصية مع الجماعية والطموح الفردي مع الضرورات القسرية


الوعي النقدي في النص لا يكتفي بعرض الصراع فقط بل يكشف عن العمق الذي يجسد المأزق الإنساني في الانتماء والهويّة في مواجهة الظلم الذي يصنعه الإنسان بنفسه حين يخلع عليه ثوب “الثعبان” ويتحول إلى أداة قهر وتحكم.
المشهد هنا يجسد التناوب بين الشعور بالعبودية للسلطة والشعور بالعجز عن التحرر منها تلك المفارقة التي تضع الإنسان في دائرة متكررة من الألم والشكوى والرهبة.


هذا التداخل بين الوجود والسمّ يظهر في الأجواء الرمزية التي تحكم المشاهد حيث الصحراء القاحلة ليست مجرد مكان بل هي فضاء استبطاني يعكس وحدة المعاناة والاغتراب حيث تتلاقى القوى المتناقضة لتشكل وحدة مضمرة تتحدث عن حقيقة الإنسان المغترب في نفسه وعن التوتر الذي يرافقه في بحثه الدائم عن مخرج، عن خلاص أو عن فرصة للنمو والتحرر.


الهيمنة في النص ليست هيمنة جسدية فقط بل هي هيمنة نفسية وروحية تلتهم الإنسان داخلياً وتمنعه من استعادة كينونته الأصيلة.


المغامر رغم استنفاذ قواه لا يفقد رغبة الحياة لكنه مرتبط بشيء آخر أقسى منه الذي هو “الثعبان” الذي يجسّد هذا الظلم الذي لا يفر منه الإنسان.
هنا التأمل في حالة الارتباط هذه يتجاوز مجرد النظر إلى علاقة العدو والصديق إلى استكشاف معضلة الوجود حيث الحياة والموت يتشابكان في قصة لا تنتهي.


فيما يخص البنية الدرامية فنجد أن النص يستخدم التناوب بين المشاهد والحوارات المتكررة لخلق إيقاع درامي يرتكز على التوتر الداخلي بين الشخصيات والاحتكاك بين الرغبة في التحرر والخوف من المجهول.


تقنية الدمج بين الإنسان والثعبان في النهاية حيث يصبحان كائناً واحداً تحمل في طياتها فكرة الفناء الذاتي والتشابك الحتمي بين الخير والشر، بين الإنسان وظلاله، بين الذات وما هو الآخر.


هذه الصورة الدرامية تكشف عن جذر الأزمة الوجودية التي تعاني منها الشخصية وتكشف عن أسلوب سردي مميز يعتمد على الرمزية والشفافية في التعبير.


تأتي رمزية المهرج الأكبر وكبير الثعابين لتؤكد فكرة اللعبة السياسية التي تدور في الخلفية حيث تتحول الصراعات إلى عروض تهريجية تتوسطها مفاهيم الشهرة والسلطة والمال كأن المسرح يحاكي الواقع السياسي والاجتماعي الذي يختلط فيه التهريج بالجد حيث تبدو النهايات مفتوحة على تداعيات معقدة ما بين الإذعان والتمرد بين الانتقال إلى سلطة جديدة أو البقاء أسير السلطة القائمة.


إن النص بهذا المعنى هو رؤية نقدية شاملة لحالة الإنسان العربي – والإنسان بوجه عام – الذي يجد نفسه أسيراً لأفاعي السلطة المتعددة ويحاول أن يستمر في معركة الحياة رغم محاولات “الثعبان” الذي يلازمه يهدده ويشكل جزءاً من كيانه لكن على الرغم من هذه الحالة من الاستلاب يبقى هناك وعي ذاتي خافت رغبة في التحرر ونبض خفي للمقاومة تتشابك فيهما الأضداد بصورة تجعله مأساة كبرى بلا بطل خارق بل إنسان عادي في مواجهة عالم قاتم
وبالتالي فإن النص يكشف بعمق عن التوترات الاجتماعية والنفسية التي يفرضها نظام القهر ويضع القارئ أو المتلقي أمام تأملات في المعنى الحقيقي للحرية للسلطة للهوية وللصراع الذي لا ينتهي بين الإنسان ومصيره بين الرغبة في الحياة والاختناق داخل وكر الأفاعي.


وهذا ما يجعل من النص لوحة درامية مفعمة بالرمزية التي تسمح بالتعددية في التأويل وفتح مجالات واسعة للتفكير النقدي في واقعنا الاجتماعي والسياسي


إن الأداء الدرامي الذي يرتكز على الحوار المركب والرمزية المكثفة يجعل من النص أكثر من مجرد سرد تمثيلي بل نصاً فلسفياً بصرياً يؤسس لتجربة معرفية مختلفة تستدعي في كل مرة إعادة القراءة والتأمل لاستخلاص معاني جديدة تواكب تعدد أوجه القهر والتشظي والاحتواء.


هذا النص بالتالي ليس مجرد نص للمسرح بل هو صرخة إنسانية تبحث عن طريق في ظلام الوجود عن أمل في فناء الارتباطات المميتة عن إرادة في وجه الغياب واللامعنى.


وفي الختام فإن “وكر الأفاعي” يمثل صورة تجريدية عن الحالة الإنسانية التي تجمع بين الحيرة والتمرد بين الأمل واليأس بين الذات والآخر وهي رؤية حادة ومؤلمة تكشف عن مآزق الهوية في ظل هيمنة لا تنفك تغلف الحياة بقسوتها وتغتال الفرص فتدفع بالإنسان إلى التمسك بما يبقى له من طاقة حتى وإن كان هذا التمسك معناه أن يظل مرتبطاً بثعبان لا يرحم رمزا للظلم المستعصي والسلطة المطلقة التي لا يمكن التخلص منها إلا بوعي داخلي عميق وإرادة شديدة وإلا فسيظل الإنسان أسير وكر لا مفر منه
نضال الخليل

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم

قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الجمعة، بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم. …