11:29 مساءً / 19 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

الفيتو الأميركي الجديد ، غطاء سياسي مستمر للمحرقة الجارية ، بقلم : مروان إميل طوباسي

الفيتو الأميركي الجديد ، غطاء سياسي مستمر للمحرقة الجارية ، بقلم : مروان إميل طوباسي


مرة أخرى ، يمد البيت الأبيض طوق النجاة لدولة الأحتلال الأستيطاني ، وهذه المرة عبر استخدام الفيتو يوم أمس في مجلس الأمن لإسقاط مشروع قرار يطالب بوقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في غزة . أربعة عشر عضواً أيدوا مشروع القرار ، وحدها واشنطن قررت أن الدم الفلسطيني يمكن أن يستباح بلا سقف أو حدود ، وأن المجازر يمكن أن تُغطى بذريعة الحق في “الدفاع عن النفس” وفي الرؤية الدينية المزعومة “بأرض اسرائيل” ، تجسبداً لفكرة جوهر الحركة الصهيونية العالمية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ” .


الفيتو الأميركي ليس إجراءً دبلوماسيا عابراً ، بل إعلان صريح بأن الولايات المتحدة شريك في العدوان على شعبنا الفلسطيني وبالجرائم المرتبطة بحقه . فهي لم تكتفي بتزويد إسرائيل بالسلاح حتى المحظور منه وتأمين الغطاء السياسي لجريمة القرن ٢١ ، بل استخدمت سلطتها في مجلس الأمن لحمايتها من أي مساءلة دولية . بهذا السلوك ، تتحول واشنطن للمرة المليون من “وسيط مزعوم” إلى طرف أصيل في استمرار الجرائم .


الإدارة الأميركية تُصر على أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يُربط بإطلاق سراح “الرهائن” وضمان أمن إسرائيل ، بينما لا ترى أن حياة أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار والتجويع والقتل تستحق الأمن اولاً وكل الشروط المرتبطة بذلك وفق القانون الدولي ، بل وان حياة كل الشعب الفلسطيني تستحق انفاذ القرارات الأممية وشروط الحرية والكرامة والأستقلال الوطني . هذه المعادلة تكشف جوهر السياسة الأميركية المتمثلة في أن أمن إسرائيل هو فوق القانون الدولي وفوق مبدأ حق الشعوب في الحياة وتقرير المصير وفي تعزيز دورها المتقدم في خدمة المشروع الإستعماري بكل المنطقة .


لحظة التصويت أظهرت الولايات المتحدة معزولة أمام إجماع شبه كامل من أعضاء مجلس الأمن الدولي . هذه العزلة لا تعكس مجرد انقسام دبلوماسي ، بل تعبيرا عن تراجع مكانة واشنطن الأخلاقية التي تدعيها . العالم بات يرى أن الفيتو الأميركي يُستخدم كسلاح وضؤ اخضر بل وشريك لإستدامة هولوكوست غزة والأحتلال الأستيطاني وواقع الضم المتدحرج والابرتهايد بباقي الأراضي الفلسطينية . وأن النظام الدولي مُختطف لخدمة مصالح قوة عظمى وحليفها العنصري الأستيطاني الأحلالي أسرائيل ، رغم ان كلاهما يعيشون أزمات متعددة الأوجه ، ما يستدعي استمرار وتصعيد الضغط الشعبي الدولي المتمثل بالأنتفاضة العالمية لأجل حرية فلسطين ، وبناء وتعزيز التحالفات السياسية مع دول الشرق والجنوب العالمي .


الفيتو الأميركي الجديد والمتكرر يضع نهاية لأي وهم بأن واشنطن قد تكون وسيطاً في عملية سلام . هي طرف بل وشريك في عدوان التطهير العرقي والتهجير ، تستخدم قوتها لإدامة الأحتلال ، وتغطي مشروع التهجير والتجويع والتدمير في غزة وحتى في كل مناطق الدولة الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس ، التي تسارع دول العالم اليوم للإعتراف بها ، رغم الحاجة إلى تجسيد هذا الإعتراف من خلال اتخاذ اجراءات المقاطعة والمحاسبة والعقوبات ، وبما يفضي الى وقف المحرقة فوراً وإنهاء الأحتلال أولاً . وهذا يُحتم على الشعوب العربية والإسلامية أن تعيد النظر في علاقاتها ومراهناتها بما يتقدم عن نتائج ومقررات القمة التي عقدت قبل ايام بالدوحة والتي لم ترتقي الى مستوى ما يجري ليس بحق فلسطين اولا لكن بحق سيادة ووحدة اراضي الدول العربية ثانيا ، وأن تضغط على حكوماتها لتبنّي سياسات مستقلة تُعلي من شأن كرامتهم اولا ، ومن التضامن مع فلسطين لا من شأن الرضوخ للأبتزاز والهيمنة الأميركية .


رغم الفيتو ، المعركة السياسية لم تنتهي ، فالجمعية العامة للأمم المتحدة تظل ساحة مهمة خلال الايام القادمة لإصدار قرارات بأغلبية واسعة تكسر الحصار الذي تمارسه أسرائيل علينا وتُدين دولة الأحتلال وتزيد من عزلتها ومعها الولايات المتحدة . كما أن تفعيل المحاكم الدولية والآليات الحقوقية يمكن أن يضع المسؤولين الإسرائيلين ومعهم داعميهم في موقع المساءلة والملاحقة والإدانة وتلقي العقاب أسوة بمسار محاكم نورمبرغ زمن جرائم النازية ضد الشعوب الأوروبية .


الأهم هو وضوح المشروع الوطني التحرري والقيم المرتبطة به وبالمقدمة منها نضالنا الوطني ، والتي تشكل بمجملها رابط وجودنا وصمودنا واستمرارنا بالتاريخ ، والمتمثلة اليوم بالمقاومة الشعبية والسياسية والدبلوماسية والقانونية المتكاملة سنداً للفكرة الفلسطينية التاريخية ، وتوحيد الصف الوطني الفلسطيني على برنامج وطني واضح عقلاني ومقاوم لمشاريع تصفية الهوية والوجود ، وبأدوات قادرة بمنهج أنتخابي وديمقراطي واسع في أطار منظمة التحرير كجبهة وطنية عريضة فاعلة وقائدة للتحرر الوطني حتى دحر الأحتلال واسقاط المشروع الصهيوني ، هو ما يجعل من كل فيتو أميركي سلاحاً مرتداً على أصحابه المستعمرين .


الفيتو الأميركي الأخير لم يكن دفاعا عن إسرائيل فقط ، بل هو دفاع عن مشروع أستعماري عقائدي وسياسي واقتصادي ممتد منذ حوالي قرن من الزمن ، ودليل آخر لمن زال يعيش الوهم والخوف على أن واشنطن لم تعد قادرة على إخفاء شراكتها في جرائم الإبادة الجماعية والتهجير وتنفيذ فكرة “أسرائيل الكبرى التوراتية ” ضمن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” . ومع كل جريمة جديدة ، تتضح الحقيقة أكثر ، أن الدم الفلسطيني لا يسيل فقط برصاص الأحتلال ، بل بغطاء الفيتو الأميركي ومواقف الخوف والإذعان .

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم

قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الجمعة، بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم. …