1:54 مساءً / 19 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

هل يمكن أن يكون سر نجاح فنلندا الاقتصادي بوابة لفلسطين نحو المستقبل ؟ ، بقلم : الدكتور عماد سالم

هل يمكن أن يكون سر نجاح فنلندا الاقتصادي بوابة لفلسطين نحو المستقبل ؟ بقلم : الدكتور عماد سالم

في عالم اليوم، حيث تتسارع التحولات التكنولوجية وتتعاظم قوة الاقتصاد المعرفي، أصبح النجاح الاقتصادي لأي دولة مرتبطًا باستثمارها في الإنسان والتعليم النوعي والابتكار، وليس فقط بوفرة الموارد الطبيعية. فنلندا، التي كانت دولة زراعية فقيرة بعد الحرب العالمية الثانية، تمكنت من التحول إلى اقتصاد متقدم ومعرفي من خلال تطوير التعليم، تعزيز البحث العلمي، ودعم الابتكار، مع بناء الثقة المجتمعية وتعزيز الحوكمة الرشيدة.


فلسطين، من جهتها، تواجه تحديات استثنائية: الاحتلال الإسرائيلي، قيود على الموارد والمعابر، تبعية اقتصادية جزئية، وغياب الثقة بين المواطن والمؤسسات. ومع ذلك، تمتلك فلسطين ثروة بشرية هائلة وطاقات شبابية قادرة على الابتكار والإبداع، ما يتيح إمكانية وضع استراتيجية وطنية شاملة مستوحاة من التجربة الفنلندية، لكنها تراعي خصوصية الواقع الفلسطيني.


أولًا: التجربة الفنلندية – مسار من الفقر إلى الريادة


بعد الحرب العالمية الثانية، واجهت فنلندا واقعًا صعبًا: فقر، ديون، وضغوط جيوسياسية من الاتحاد السوفيتي. استندت إستراتيجية النهوض إلى أربعة مرتكزات رئيسية:


⦁ التعليم النوعي
⦁ توفير التعليم المجاني للجميع.
⦁ تأهيل المعلمين وتطوير المناهج لتكون قائمة على التفكير النقدي والابتكار.
⦁ ربط التعليم بالبحث العلمي وسوق العمل.
⦁ الابتكار والبحث العلمي
⦁ ربط الجامعات بالصناعة والقطاع الاقتصادي.
⦁ دعم الشركات الناشئة والريادة التكنولوجية.
⦁ التحول من صناعة ورق بسيطة إلى اقتصاد معرفي عالمي، نموذجًا نوكيا.
⦁ الثقة المجتمعية والحكم الرشيد
⦁ بناء عقد اجتماعي على أساس الشفافية والعدالة.
⦁ تعزيز المشاركة المدنية والمساءلة.
⦁ الاستدامة البيئية والاجتماعية
⦁ دمج البيئة والرفاه الاجتماعي في استراتيجيات التنمية الاقتصادية.
اعتمدت فنلندا قاعدة باريتو (80/20)، حيث خصصت 80% من الموارد نحو التعليم والابتكار باعتبارهما الركيزة الأساسية للنمو المستدام.
ثانيًا: الواقع الفلسطيني – تحديات بنيوية
تواجه فلسطين عدة عقبات اقتصادية واجتماعية:
⦁ بطالة مرتفعة: نسب تفوق 50% بين الشباب وخريجي الجامعات.
⦁ التبعية الاقتصادية: نتيجة بروتوكول باريس والتحكم بالمعابر والموارد.
⦁ محدودية الموارد الطبيعية: غياب السيطرة على المياه والطاقة والأراضي.
⦁ الاعتماد على المساعدات الخارجية: ما يضعف القدرة على بناء اقتصاد منتج ومستقل.
⦁ فجوة الثقة المجتمعية: بين المواطن والمؤسسات الرسمية نتيجة الانقسام السياسي وتعقيدات الواقع.
هذه التحديات لا تعني استحالة النهوض، لكنها تستدعي تبني رؤية استراتيجية طويلة المدى لتجاوز الإدارة اليومية للأزمات.

ثالثًا: فلسطين وفنلندا – حدود التشابه والاختلاف
البعد فنلندا فلسطين
السياق التاريخي فقر بعد الحرب العالمية الثانية، ضغوط جيوسياسية احتلال وقيود سياسية واقتصادية
الموارد البشرية ثروة رئيسية مستثمرة في التعليم والابتكار ثروة بشرية كبيرة، لكنها بحاجة لاستثمار منهجي
السيادة والاستقلال سيادة كاملة غياب السيادة الكاملة على الموارد
التعليم المهني محترم ومتكامل مع سوق العمل يعاني من ضعف البنية والمخرجات
الاقتصاد اقتصاد معرفي متقدم اقتصاد هش، يعتمد جزئيًا على المساعدات
النتيجة: فلسطين لا تستطيع نسخ النموذج الفنلندي، لكنها يمكن أن تستفيد من إطار عمل مرجعي يتكيف مع خصوصيتها.
رابعًا: التعليم والتدريب المهني والتقني – الحلقة المفقودة
نجاح فنلندا ارتكز على دمج التعليم الأكاديمي والمهني في نظام واحد، ما جعله جذابًا وفعالًا اقتصاديًا.
في فلسطين:
⦁ ضعف البنية التحتية للتعليم المهني والتقني.
⦁ فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
⦁ نظرة مجتمعية سلبية تجاه المسار المهني.
الحلول المقترحة:
⦁ تطوير التعليم المهني ليكون خيارًا استراتيجيًا ضد البطالة.
⦁ ربطه بالقطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات والزراعة الذكية.
⦁ دعم ريادة الأعمال للشباب عبر حاضنات ومسرعات تقنية ومهنية.
خامسًا: نحو اقتصاد مقاوم قائم على المعرفة
في ظل الاحتلال، يمكن لفلسطين بناء اقتصاد مقاوم من خلال:
⦁ الرقمنة والخدمات الرقمية العابرة للحدود.
⦁ الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة كرافعة اقتصادية.
⦁ دعم الابتكار وريادة الأعمال من خلال تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
⦁ بناء الثقة المجتمعية عبر الشفافية والمساءلة.
سادسًا: توصيات عملية مفصلة
⦁ إصلاح التعليم العام: منهجية قائمة على التفكير النقدي والابتكار.
⦁ تعزيز التعليم المهني والتقني: ربط مباشر بسوق العمل والقطاعات الواعدة.
⦁ تطوير الاقتصاد المعرفي والرقمي: حاضنات أعمال وتقنيات رقمية.
⦁ الاقتصاد الأخضر: استثمار الطاقة الشمسية والرياح، وخلق فرص عمل جديدة.
⦁ بناء الثقة والعقد الاجتماعي الجديد: مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في صنع السياسات.
⦁ الشراكات الدولية: التعاون مع فنلندا والدول الاسكندنافية لنقل الخبرات.
⦁ إطلاق صناديق ابتكار وطنية: دعم المشاريع الريادية للشباب.
سابعًا: فلسطين 2040 – سيناريوهات المستقبل
⦁ السيناريو الأول – استمرار الوضع الحالي: بطالة مرتفعة، تبعية متزايدة، ضعف إنتاجية الاقتصاد.
⦁ السيناريو الثاني – تبني استراتيجية التعليم والابتكار: اقتصاد معرفي ناشئ، انخفاض البطالة، اندماج أفضل في الاقتصاد العالمي عبر التكنولوجيا والرقمنة.
الخاتمة
تجربة فنلندا تثبت أن الاستثمار في الإنسان هو الرأسمال الحقيقي لأي أمة. فلسطين تمتلك ثروة بشرية هائلة وطاقات شبابية مبدعة يمكن أن تشكل أساسًا لبناء اقتصاد وطني ومستدام. الطريق يبدأ من:
⦁ التعليم النوعي،
⦁ التدريب المهني والتقني،
⦁ الابتكار وريادة الأعمال،
⦁ الاقتصاد الأخضر،
⦁ الحوكمة الرشيدة.
إن تبني هذه الركائز يمكن أن يجعل من سر نجاح فنلندا بوابة لفلسطين نحو غد أفضل وأكثر استقلالية واستدامة.

  • – الدكتور عماد سالم – ق.ا رئيس الهيئة الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني سابقاً، باحث اكاديمي وخبير في السياسات التعليمية وسوق العمل

شاهد أيضاً

وزارة الثقافة والرابطة العربية للآداب والثقافة و الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين ينظمان أمسية شعرية بعنوان "وطن"

وزارة الثقافة والرابطة العربية للآداب والثقافة و الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين ينظمان أمسية شعرية بعنوان “وطن” في الخليل

شفا – برعاية وزارة الثقافة نظمت الرابطة العربية للآداب والثقافة – فرع فلسطين بالتعاون مع …