3:00 مساءً / 16 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

قمة الدوحة ، لحظة الحقيقة في مواجهة العدوان الإسرائيلي ، بقلم : محمد علوش

قمة الدوحة: لحظة الحقيقة في مواجهة العدوان الإسرائيلي ، بقلم : محمد علوش

القمة العربية الإسلامية الطارئة التي استضافتها الدوحة بدعوة عاجلة، وحضرها الملوك والرؤساء وقادة الدول من مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي، لم تكن حدثاً بروتوكولياً عابراً ولا اجتماعاً شكلياً يضاف إلى سجل المؤتمرات، بل جاءت في لحظة تاريخية بالغة الخطورة، فالعدوان الإسرائيلي على قطر لم يكن مجرد اعتداء على سيادة دولة بعينها، بل تحدياً سافراً لمنظومة الأمن الجماعي العربي والإسلامي، وامتحاناً لإرادة الشعوب والحكومات في مواجهة تغوّل غير مسبوق لدولة الاحتلال وحليفها الأمريكي.


وقد سبقت القمة جلسات مكثفة على مستوى رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية لتأمين أرضية سياسية ودبلوماسية وتنسيق المواقف وصوغ الحد الأدنى من التوافق، قبل أن يلتقي القادة والملوك والرؤساء في الدوحة، فبدت العاصمة القطرية وكأنها تختصر قارات العالم الإسلامي في قاعة واحدة، تضع على الطاولة سؤال الكرامة والسيادة والمصير، وما ميّز هذا الاجتماع أن دماء الأبرياء التي أُريقت في حيّ سكني من أحياء الدوحة لم تسمح بالمناورات المعتادة، وأن مشهد الدخان المتصاعد في سماء العاصمة الخليجية نقل الحرب الإسرائيلية من حدود غزة ولبنان وسوريا إلى قلب الخليج، وهكذا وجد القادة أنفسهم أمام حقيقة صارخة: إسرائيل لم تعد تكتفي بإبادة غزة ولا بالتمدد في الجولان والجنوب، بل قررت أن تختبر قدرة العرب والمسلمين على احتمال صفعة مباشرة لكرامتهم الوطنية والقومية.


كان واضحاً أن استهداف قطر لم يكن مجرد خرق لسيادتها، بل محاولة لاغتيال دورها السياسي والوسيط الموثوق في المفاوضات الرامية إلى وقف الحرب على قطاع غزة، فقد لعبت الدوحة، بقدرتها على التواصل مع أطراف متعددة، دور الجسر الذي يسعى إلى كبح الإبادة المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني، وهو الدور الذي أرادت إسرائيل تعطيله بضرب العاصمة الخليجية وإرسال رسالة تهديد إلى كل وسيط يجرؤ على الخروج من منطق الحرب المفتوحة.


من هنا جاء البيان الختامي للقمة أكثر وضوحاً وحزماً، إذ أكد أن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة الممنهج، واعتبر العدوان على قطر جريمة تستدعي رداً جماعياً يتجاوز حدود التنديد، متجهاً نحو إجراءات ملموسة يمكن أن تغيّر معادلة الردع في المنطقة، ودعا القادة إلى تحقيق دولي عاجل في جريمة قصف الدوحة، وطالبوا الأمم المتحدة بالتحرك الفوري لحماية القانون الدولي من الانهيار، وأكدوا دعمهم للخطوات العملية التي أعلنتها تركيا بقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية والملاحية مع إسرائيل، كما شددوا على ضرورة بحث مقاطعة شاملة تضيق الخناق على الاحتلال، وبرز في النقاش اقتراح تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة على غرار ما جرى مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وهو قرار لا تملك الولايات المتحدة تعطيله بالفيتو، كما دعت أصوات عديدة الدول الموقعة على اتفاقيات أبراهام إلى تجميد علاقاتها مع إسرائيل، باعتبار أن استمرار تلك العلاقات وسط المجازر يشكل خرقاً للإجماع العربي والإسلامي وإضعافاً لجبهة الردع.


كان لافتاً الحضور الفلسطيني في القمة، حيث جاءت كلمة الرئيس الفلسطيني معبّرة عن صمود شعبنا وإصراره على مواجهة الإبادة في غزة والدفاع عن أرضه وهويته الوطنية، وقد لاقت هذه الكلمة صدى واسعاً بين القادة الذين أكدوا تضامنهم مع نضال الشعب الفلسطيني، ورأوا أن أي محاولة لإنهاء دوره أو تصفية قضيته ستعني سقوط النظام الدولي برمته في قبضة منطق القوة العارية.


وفي موازاة ذلك، أخذ المجتمع الدولي يستشعر خطورة المسار، إذ سبقت القمة بيوم واحد جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت بأغلبية ساحقة “إعلان نيويورك” الذي يحدد خطوات واضحة ولا رجعة فيها نحو حل الدولتين، كما أعلنت بعض الدول الأوروبية نيتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة، في حين اتخذت دول أخرى قرارات عملية مثل منع مرور السفن والطائرات المحملة بالسلاح إلى إسرائيل، وقد رأى القادة المجتمعون في الدوحة أن هذه التحولات ليست مجرد ردود فعل آنية، بل مؤشرات على بداية عزلة دولية لإسرائيل بصفتها دولة مارقة وإرهابية تهدد النظام العالمي بأسره.


لم تكن القمة الطارئة في الدوحة مجرد لقاء للزعماء، بل محطة فارقة وضعت الأمة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام لمعادلة الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية بما تحمله من حروب وتفكيك وتطويع، وإما الانتقال إلى سياسة ردع جماعية تجعل إسرائيل تدفع ثمن جرائمها، وتعيد الاعتبار لفكرة الأمن القومي العربي والإسلامي، وفي ضوء هذا الوعي المشترك، بدا واضحاً أن ساعة التردد قد انتهت، وأن لحظة الصمود والرد العملي قد حانت، وأن القمة بما حملته من لغة سياسية صريحة ومواقف جامعة قد تكون الشرارة الأولى لتأسيس مرحلة جديدة، تسقط منطق الاستباحة وتفتح الطريق أمام معادلة أكثر توازناً وعدلاً في هذه المنطقة التي لم تعرف يوماً سلاماً إلا بقدر ما عرفت من مقاومة.

شاهد أيضاً

إسبانيا تعلن انسحابها من مسابقة “يوروفيجن” إذا شاركت إسرائيل

شفا – أعلنت إسبانيا رسميا انها لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية هذا العام إذا …