
اغتيال كيرك وشرارة الكشف عن وجهين للاستعمار العنصري في أمريكا ، بقلم : نسيم قبها
في مشهدٍ يعكس التصدّع العميق في النسيج الاجتماعي الأمريكي، تحوّل مؤتمرٌ شعبي إلى مسرحٍ لاغتيالٍ سياسي مروّع. تشارلي كيرك، اليميني المتطرف والصوت الأبرز في منصات المحافظين الجدد، سقطَ برصاصة قناص محترف، ليمثّل مصرعهُ أكثر من مجرد جريمة كراهية؛ إنه تجسيدٌ لبرميل البارود الذي أصبحت عليه الولايات المتحدة، وتعبيرٌ عن غضبٍ عالمي متصاعد ضد سياسات اليمين المتطرف المحلي وحليفه الخارجي: الكيان الإسرائيلي.
المنفذ، وهو مسنٌّ مخضرم في الجيش، لم يكن مجرد قاتل منعزل، بل قد يكون تجسيداً لردّة فعل على خطاب الكراهية الذي يغذيه كيرك وحلفاؤه. فكيرك لم يكن مجرد معلّق؛ كان مهندساً أيديولوجياً لدعاوى عنصرية صريحة، داعياً إلى إلغاء قوانين المساواة، ورافعاً شعار “أمريكا للبيض المسيحيين”، ومحارباً وجود المسلمين وغيرهم من الأقليات في الفضاء العام. ولكن الأكثر خطورة هو ولاؤه الأعمى لبنيامين نتنياهو وإنكاره لمجازر غزّة، مما جعل منه رمزاً للتحالف بين اليمين الأمريكي المتطرّف والمشروع الاستعماري الإسرائيلي.
ردّة فعل دونالد ترامب كانت متوقّعة ومثيرة للرعب: أمرٌ تنفيذي هستيري بتنفيذ الإعدام الفوري للقاتل، دون محاكمة أو حق في العفو. هذا القرار ليس فقط غير دستوري، بل هو إعلانٌ عن نزعة استبدادية صريحة، تُذكّر بأدوار الحكام الفاشيين. إنه يُظهر كيف أن الخطاب السياسي في أمريكا، تحت قيادة ترامب، لم يعد يقبل بالتعددية أو يحتمل المعارضة، بل يسير بخطى ثابتة نحو تفكيك الديمقراطية والاستعداد لصراعٍ داخلي.
هذه الحادثة ليست معزولةً؛ المحلّلون في واشنطن يرون فيها “الشرارة” التي قد تشعل حرباً أهلية أمريكية ثانية، في ظلّ استقطابٍ لم تشهد له البلاد مثيلاً منذ القرن التاسع عشر. ولكنها أيضاً تفتح نافذةً على تحوّلٍ جيوسياسي أوسع: فالشعوب في كلّ مكان لم تعد صامتةً تجاه عنصرية (إسرائيل ) وتطرفها، ولم تعد تُصدّق الرواية الغربية الزائفة عن “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. لقد رأوا في غزّة وجنين والقدس وجه الاستعمار الاستيطاني العنصري نفسه الذي مارسه الغرب لقرون، واليوم ها هو يعود إلى حيث بدأ: إلى الشوارع الأمريكية.
الاغتيال السياسي، وإن كان مرفوضاً بأي شكل، إلّا أنه يعبّر عن لحظة تاريخية يفقد فيها النظام السياسي شرعيته، عندما تُغلق كلّ الأبواب السلمية للإصلاح. أمريكا تحت حكم ترامب تتجه نحو الهاوية، وحليفتها إسرائيل تُكمل مسيرتها العنصرية بغطاءٍ أمريكي. ولكن ضحايا العنف من كلا الجانبين هم وقودُ معركةٍ لن ينتصر فيها إلّا أصحاب القضية العادلة: شعب فلسطين، والمقاومون من أجل الحرية في كلّ مكان.