3:21 مساءً / 21 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

البعد القومي للصراع العربي الصهيوني ، بقلم : غازي الصوراني

البعد القومي للصراع العربي الصهيوني ، بقلم : غازي الصوراني

البعد القومي للصراع العربي الصهيوني ، بقلم : غازي الصوراني

منذ نشوء الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر، ثم تأسيس “دولة العدو إسرائيل” في 15/5/1948 تم استخدام الأساطير الدينية والتوراتية، لحساب الأهداف السياسية التي تخدم الكذبة الكبرى التي تقول بأن اليهود أمه، فالأساطير الدينية والتوراتية استخدمت تاريخياً – ولا زالت- لحساب الأهداف السياسية، وذلك على قاعدة أن الصهيونية هي الجانب القومي في اليهودية، واليهودية هي الجانب الديني في الصهيونية، وبالتالي فإن “إسرائيل” تحقيق سياسي وتجسيد عملي وسياسي للظاهرتين معاً، في إطار العلاقة العضوية بين الحركة الصهيونية من ناحية، ومصالح النظام الاستعماري والإمبريالي الرأسمالي من ناحية ثانية، وهذه العلاقة تؤكد على أن “إسرائيل” انطلاقاً من دورها ووظيفتها، لم تنشأ إلا كشكل من أشكال الاستعمار الاستيطاني العنصري في بلادنا، المستند إلى دواعي القوة الغاشمة والاغتصاب، لحماية مصالح العولمة الرأسمالية في بلدان وطننا العربي، وهي دولة لا يمكن أن ترقى عبر هذا الدور الوظيفي لتصبح جزءاً من نسيج هذه المنطقة العربية ومستقبلها بأي شكل من الأشكال مهما بلغت درجة انحطاط وخضوع واستسلام النظام العربي واعترافه أو تطبيعه مع هذا الكيان .


إننا في حالة صراع مفتوح، ونضال مستمر، وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي الصهيوني.. وليس مستغرباً أن يظهر على هامش هذه الصيرورة النضالية من يعبث بالحق الفلسطيني بصرف النظر عن الأسماء والمسميات، ولكن كل محاولة للعبث بهذه الحقوق الوطنية عن وعي أو بدون وعي هي بمثابة كوابح سياسية وعملية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وعليه فإن كل المؤتمرات واللاءات والوثائق التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح بفعل تمسك الشعب الفلسطيني بكافة حقوقه وثوابته.


من ناحية ثانية إن دولة العدو تستطيع أن تقول لاءاتها. ولكن كل واحدة من هذه اللاءات سيواجهها شعبنا بضراوة كفاحياً وسياسياً واستراتيجياً.. ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا تنحصر في عناوين هذه اللاءات الأربع.. إنما هي الأرض والشعب معاً، أي فلسطين التاريخية .


وها نحن في منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وما زال شعبنا الفلسطيني –الذي قدم الآلاف من قوافل الشهداء- مستمراً في صموده ونضاله رغم كل التنازلات السياسية والمفاوضات العبثية، ورغم الانقسام أو الانقلاب الكارثي في حزيران 2007 الذي كان وما يزال مكسبا صافيا للعدو الصهيوني ، الأمر الذي يفرض على كافة القوى اليسارية الديمقراطية في فلسطين والوطن العربي مزيداً من وحدة الموقف والنضال الديمقراطي لتثبيت أسس وبرامج الثورة الوطنية الديمقراطية ارتباطاً بمنظور الثورة القومية التحررية الديمقراطية في إطارها الأممي الإنساني، بمثل ما يفرض أيضاً على القوى اليسارية الفلسطينية مراجعة خطابها السياسي بما في ذلك خطاب حل الدولتين، من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني وأدواته وفق قواعد النضال القومي الديمقراطي، باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع عربي صهيوني من الدرجة الأولى.


ففي ظل موازين القوى الدولية والعربية المختلة لصالح التحالف الإمبريالي الصهيوني وموقفه النقيض للحد الأدنى من ثوابت وأهداف شعبنا الوطنية، بات واضحاً، أن التصوّر الصهيوني قبل الحرب العدوانية على قطاع غزة تمسك بلاءات خمسة هي: لا انسحاب من القدس ، لا انسحاب من وادي الأردن، لا إزالة للمستوطنات، لا عودة للاجئين، ولا للدولة الفلسطينية المستقلة، ورفضه أيضا لكل قرارات الشرعية الدولية، وها هو اليوم ما زال متمسكا بتلك اللاءات مضيفا عليها إصراره على السيطرة على قطاع غزة عير هجوم عنصري نازي أسفر بعد 22 شهر على العدوان عن تدمير اكثر من 75% من منشآت ومنازل ومدارس وجامعات ومستشفيات وطرق قطاع غزة ، الى جانب 65000 شهيد اكثر من 60% منهم أطفالاً ونساء ، و 20000 مفقود، وحوالي 180000 جريح ، بالإضافة الى رفض حل الدولتين ورفض الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية علاوة على التصريح الوقح بالنسبة للتوسع الصهيوني من النيل الى الفرات ، تأكيدا للمخططات الصهيونية التوسعية في سوريا والأردن …الخ وغير ذلك من الشعارات والممارسات العنصرية العدوانية بدعم صريح من ترامب رئيس الامبريالية الامريكية.


لذلك، فإن المهمة العاجلة أمام حركات وفصائل اليسار العربي عموماً والفلسطينية خصوصاً، أن تعيد النظر في الرؤية الإستراتيجية التحررية الديمقراطية، الوطنية/القومية ببعديها السياسي والمجتمعي، انطلاقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية التي تحولت اليوم لتصبح كيانا امبرياليا في الشرق الأوسط تعزيزا لبلورة دورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يستهدف –بنفس الدرجة- ضمان السيطرة الإمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره، وبالتالي يجب أن تتأسس الرؤية لدى كافة قوى اليسار القومي العربية، وفي المقدمة اليسار الثوري الفلسطيني.


لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية الوطنية من قلب الرؤية التقدمية القومية الديمقراطية الأشمل التي تنطلق من فهم عميق للمشروع الإمبريالي الصهيوني وأدواته البيروقراطية والكومبرادورية والرجعية، من أجل أن يعاد تأسيس نضالنا الوطني التحرري والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية؛ ولا شك في أن هذه المهمة هي أولاً مهمة الماركسيين في فلسطين والوطن العربي، وفي طليعتهم اليسار الفلسطيني المناضل من أجل استرداد الحقوق التاريخية على أرض فلسطين ، وإلى أن تتوافر هذه الشروط تدريجياً سوف يستمر الصراع كما هو، مهما طال واستمر الحديث عن التفاوض من أجل ما يسمى حل الدولتين وفق الشروط والمخططات الإسرائيلية الأمريكية، فلن يكون في ذلك سوى تكريساً للهيمنة والسيطرة الأمريكية الإسرائيلية على مقدرات الشعوب العربية واستمرار احتجاز تطورها واستتباعها وتخلفها.


وبالتالي فإن حديثي عن حل الدولة الديمقراطية العلمانية هو حديث يستدعي-على الأقل نظرياً في هذه المرحلة- استنفار كل طاقات اليسار من أجل إعادة النظر في الخطاب السياسي وصولاً إلى خطاب/برنامج يستجيب لمعطيات وضرورات المرحلة الراهنة والمستقبل، الأمر الذي يستدعي حواراً جاداً ومعمقاً بين أطراف اليسار الماركسي العربي لتحقيق هذه الغاية، ليبدأ مرحلة جديدة في نضاله من أجل إعادة تأسيس المشروع القومي التحرري الديمقراطي النهضوي، كفكرة مركزية توحيدية تلتف حولها الجماهير الشعبية في فلسطين وبلدان الوطن العربي.


ما يعني ان فكرة المقاومة الهادفة الى هزيمة الدولة الصهيونية تشكل هدفا استراتيجيا لكل فصائل واحزاب حركة التحرر الوطني العربية ، انطلاقا من ان الكيان الصهيوني هو النقيض الاستراتيجي للأمة العربية.من ثم، فإن التناقض بين الطرفين تناقض تناحري مطلق. فإما الكيان الصهيوني المتمدد واما الأمة العربية الموحدة المتقدمة.


لذلك فإن التعامل مع الكيان الصهيوني وكأنه كيان طبيعي شأنه شأن المجتمع التركي أو الإيراني أو الفرنسي أو الصيني والاعتراف بهذا الكيان هو في جوهره نفي للذات العربية، اي إنه انتحار قومي، لا أكثر ولا اقل. وهو فوق ذلك انتحار للعقل . فقبول الكيان الصهيوني هو في جوهره قبول لأسطورة الأمة اليهودية وأسطورة امتلاكها أرض فلسطين وأسطورة الشعب المختار، وما إلى ذلك من أساطير يرفضها العقل والعلم.


لقد توضح خلال العقود الماضية بأن الدولة الصهيونية معنية بالسيطرة على كل فلسطين ، وأنها جزء من المشروع الامبريالي للسيطرة على الوطن العربي، وبالتالي يجب ان تتأسس الرؤية لدى الفلسطينيين والعرب انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه.


فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود الامبريالي في الوطن العربي، ووجودها حاسم لاستمرار السيطرة الإمبريالية، وضمان استمرار التجزئة والتخلف العربيين، هذه البديهة هي التي تفرض علينا إعادة تقييم أوضاعنا وأفكارنا وسياساتنا.
لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية التي تنطلق من فهم عميق للمشروع الامبريالي الصهيوني، من أجل أن يعاد تأسيس إستراتيجية النضال الوطني والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية.


وهنا يمكن الإشارة إلى أن المسألة تتعلق بمستويين:

  • الأول هو أن الصراع ضد الدولة الصهيونية هو فرع من صراع ضد الرأسمالية والإمبريالية والرأسماليات التابعة، وهو صراع الطبقات الشعبية ضد هؤلاء، وليس من الممكن أن نصل إلى تحرير فلسطين أو تحقيق الحد الأدنى في دولة مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967خارج إطار هذا الصراع، الذي يجب أن يفضي إلى التحرير والوحدة القومية والتطور والدمقرطة والحداثة في مجتمع عربي ديمقراطي موحد.
  • الثاني هو أنه من الضروري بلورة حل ديمقراطي لـ “المسألة اليهودية”لمن يقبل من اليهود أن يعيش في ظل دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية .


انطلاقاً من ذلك أعتقد بضرورة الحوار حول الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية كموقف مستقبلي استراتيجي يقوم على أن الكيان الصهيوني لا مستقبل له في بلادنا مهما تبدى للبعض في مرحلة الانحطاط الراهنة أنه الكيان الأقوى في الشرق العربي، آملا أن يسهم الحوار في توسيع البحث في هذا الموضوع من كافة الرفاق والأصدقاء المعنيين في ارجاء الوطن العربي.


من ناحية ثانية لا بد لي من التأكيد على ان النضال من أجل تحقيق هدف إقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها، كفيل بحل المسألة اليهودية في إطار المجتمع العربي الديمقراطي الموحد، وهذه القضية قد يفترض البعض محقاً أو بدون وجه حق بأنه موقف طوباوي، فإنني أقول بوضوح أن هذا ليس موقفاً طوباوياً بقدر ما هو حلم ثوري تتوافر مقوماته وإمكاناته في نسيج مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية عموماً، وفي أوساط الشرائح المضطهدة من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة التي تتطلع بشوق كبير إلى المشاركة في تحقيق هذا الحلم الثوري الذي يجسد الأهداف الوطنية والديمقراطية المستقبلية للشعوب العربية .

شاهد أيضاً

الإغاثة الزراعية توفر 160 ألف لتر من مياه الشرب يخفف معاناة النازحين في المحافظة الوسطى بقطاع غزة

الإغاثة الزراعية توفر 160 ألف لتر من مياه الشرب يخفف معاناة النازحين في المحافظة الوسطى بقطاع غزة

شفا – في خطوة إنسانية كان لها أثر مباشر في تحسين أوضاع آلاف العائلات النازحة، …