12:23 مساءً / 21 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

عصر الحقائب … حين تحملنا الحقائب قبل أن نحملها ، قراءة فلسفية أدبية في نص مريم نجمة ، بقلم : رانية مرجية

عصر الحقائب… حين تحملنا الحقائب قبل أن نحملها ، قراءة فلسفية أدبية في نص مريم نجمة ، بقلم : رانية مرجية

النص الذي كتبته الكاتبة مريم نجمة تحت عنوان عصر الحقائب ليس مجرد بوحٍ ذاتيّ عن تعب السفر والتنقل، بل هو نص يختزل مأساة الإنسان الحديث، الذي أصبح أسير حقيبته أكثر من كونه سيدها. فالحقيبة هنا لم تعد مجرد وعاء للملابس والأشياء، بل تحولت إلى رمز كوني يختزن الهجرة، الغربة، التهجير، والنفي، بل وحتى ثِقل الذاكرة ذاتها.

الحقيبة كاستعارة للزمن

في نص نجمة، تتجاوز الحقيبة حدود وظيفتها المألوفة لتصبح استعارة للزمن المتنقل، وللحياة التي تُطوى وتُفتح كما تُطوى الملابس وتُرتب. “نفتحها، نغلقها، نحملها…” تكرار يتدفق بإيقاع لاهث يعكس رتابة الرحيل الأبدي، كأن الكاتب يريد أن يقول: حياتنا كلها حقائب تُفتح لتستقبل الألم وتُغلق لتخفيه، لكنها لا تُغلق أبدًا على الطمأنينة.

نحن المتعبون… صوت جماعي

ما يميز النص أنّه لا ينطق بلسان فرد فقط، بل بلسان جماعة كاملة: “نحن المتعبون على الأرض، نحن الموزعون”. هنا يتحول المتكلم إلى ضمير جمعي يضم كل المهاجرين واللاجئين والمنفيين، وكل الذين تاهوا بين حدود مرسومة بخطوط استعمارية أو بقرارات قاسية. الحقيبة إذًا ليست ملكًا لشخص واحد، بل هي هوية مضافة إلى هوية كل من ضاقت بهم الأرض.

بين الأشياء والذاكرة

تكتب نجمة عن الحقائب لا كأشياء ملموسة فحسب، بل كأرشيف للروح: “نفتح الذكريات، نغلف الدموع، تنهمر الصور والآهات واللوعات”. إنّها ذاكرة محمولة على الظهر، مثقلة بما لا يُحمل. وفي هذه الصورة تتجلى المفارقة الكبرى: لسنا فقط من نرتب الحقائب، بل هي من ترتب مصائرنا، نكبرها فتكبر جراحنا، نصغرها فتظل أثقل منّا.

الغربة كقدر

“والغربة تبقى مسمرة متابطة فينا”. بهذه الجملة تبلغ نجمة ذروة النص، إذ تنزع عن الغربة أي إمكانية للانفكاك. الغربة ليست حالة عارضة، بل قدرٌ مطعون في الجسد، مسمار صدئ لا يُنتزع. وهنا يتخذ النص بعدًا فلسفيًا وجوديًا: الغربة لم تعد مكانًا آخر نقيم فيه، بل أصبحت توأمًا للروح، جرحًا مستمرًا لا يندمل.

فلسفة النص

يمكن القول إن نص “عصر الحقائب” يعكس واحدة من أهم مفارقات الوجود المعاصر: نحن نحمل الحقائب بأجسادنا، لكن الحقائب هي التي تحملنا في أرواحنا. نحن المسافرون الدائمون، حتى لو لم نغادر بيوتنا؛ مسافرون في ذاكرتنا، في حنيننا، في أحلامنا المؤجلة. لقد نجحت مريم نجمة في أن تحوّل شيئًا مألوفًا – الحقيبة – إلى رمز فلسفي عابر للثقافات والأزمنة.

في المحصلة، “عصر الحقائب” ليس نصًا عن السفر فقط، بل عن رحيل الإنسان عن ذاته في عالم مضطرب. نصّ يجعلنا نتساءل:


هل نحن من نصوغ حقائبنا، أم أنّ الحقائب هي التي تصوغنا؟

شاهد أيضاً

النضال الشعبي في الذكرى 56 لإحراق المسجد الاقصى : حكومة الاحتلال تعيد رسم القدس من جديد وتعمل على بناء مشهد استيطاني جديد

شفا – قالت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني يصادف اليوم الخميس الحادي والعشرين من آب/ أغسطس، …