
حقول الجوع ، حين يكتب الطفلُ بيانَ الإنسانية بصمته بقلم: رانية مرجية
في زمنٍ صاخبٍ بالخراب، حيث الكلمات تفقد معناها من كثرة ما استُهلكت في نشرات الأخبار، تخرج إلينا الكاتبة أسـمى إلياس بنصٍ ليس كغيره؛ نص لا يُقرأ فحسب، بل يُعاش، يُنزف، يُرتجف له، ويُسأل: أين نحن من هذه المأساة؟
“حقول الجوع” ليست قصة قصيرة، بل تجربة فلسفية وجودية مصوغة بلغة الحنين والعطش والتمزق الإنساني. إنها ليست مجرد حكاية طفل جائع، بل مرآة مقعّرة نرى فيها وجوهنا جميعًا، وجوهنا التي سكبت دموعها على الشاشة ثم مسحتها ومضت.
قوة هذا النص لا تكمن في لغته وحدها، وإن كانت مشبعة بالجمال والألم، ولا في حبكته الدرامية المحكمة، بل في ما بعد النص، في ذلك الارتجاج الخفي الذي يحدثه في وجداننا، حين نتوقف أمام صمت الطفل ياسر، ونكتشف أن الصمت قد يكون أبلغ من ألف بيان سياسي، وأشد صدقًا من كل مؤتمرات “السلام”.
في هذه القراءة، لا أسعى إلى تحليلٍ أكاديمي جاف، بل إلى غوص جمالي فلسفي وجودي في ثنايا نص يهزّ كينونتنا من جذورها. نص يُعيد تعريف معنى الجوع، لا بوصفه حاجة بيولوجية، بل كقهرٍ إنساني، ومأساة أخلاقية.
سنتوقف عند ظلال الشخصيات، وارتجافاتها، ونتأمل الكاميرا التي تحولت إلى حملٍ ثقيل، والجندي الذي اختار — لأول مرة — أن يكون أبًا لا قاتلًا.
هي محاولة للإنصات، لا للكلام، وللإضاءة على لحظة نادرة من النور وسط عتمة الحرب، لحظة أبدعتها أسـمى إلياس بشاعرية سردية تُحسب لها.
- – رانية مرجية – صحفية وكاتبة فلسطينية .