
في ظلّ شاكر… وُلدت كتابتي النقدية ، بقلم: رانية مرجية
لم أكن ناقدة. ولم أطمح أن أكون.
كنتُ قارئة عاشقة، أتنقل بين النصوص كما يتنقّل العصفور بين أغصان الذاكرة. أقرأ الشعر والرواية، المقالة والخاطرة، أُطيل التأمل، وأصمت. لكنني لم أكتب يومًا قراءة نقدية واحدة. كنت أترك تلك المهمة لمن وُهبوا عينًا ثالثة، تُبصر ما وراء النص، وروحًا تحتكم لا إلى الذائقة وحدها، بل إلى المحبة أيضًا.
وكان شاكر فريد حسن أحد هؤلاء.
شاكر لم يكن ناقدًا بالمعنى الأكاديمي الجاف. لم يكن يحكم على النصوص، بل يحتضنها. كانت مقالاته النقدية تشبهه: صافية، صادقة، مخلصة. يكتب كما لو أنه يضيء شمعة في درب كاتب، أو يفتح نافذة في حجرة معتمة. لم يكن ينافس أحدًا، بل يشدُّ على يد الجميع، ويمنحهم صوتًا إضافيًا في زمن الاختناق.
وحين رحل، شعرتُ أن أحد أعمدة المشهد الثقافي قد تهدّم. ليس لأنه الأهمّ، بل لأنه الأوفى.
كان يكتب عن الجميع، وعن كلّ شيء. ينشر بحبّ، ويقرأ بشغف، ويُشيد بمن يستحق ومن لم يُنصفه أحد. لقد آمن بالكلمة، لا كمجد شخصي، بل كمسؤولية.
رحيله أحدث في داخلي شرخًا صامتًا.
سألت نفسي مرارًا: من سيكتب عنّا بعد شاكر؟ من سيرانا بعين القلب؟ من سيذكر الشاعرة التي نشرت للتوّ قصيدتها الأولى؟ ومن سيحيّي القاصّ المهمّش الذي لم تفتح له الصحف أبوابها؟
ثم، دون تخطيط أو قرار مسبق، وجدت نفسي أكتب نقدًا. لا لأكون ناقدة، بل لأقول له: “شكرًا، لأنك علمتنا أن نرى الجمال في كلّ محاولة كتابة.”
لقد دخلتُ درب النقد تكريمًا لذكراك. لم أكتب من منبرٍ نخبوي، بل من عتبة الوفاء. لأنك منحتنا ما لم يمنحه سواك: وقتك، وقراءتك، ومحبتك.
شاكر فريد حسن لم يرحل كليًا.
ما زال في مفرداتنا، في مقالاتنا، في الطريقة التي نقرأ بها الآخر.
وإن كان الغياب موجعًا، فإن الكتابة – كما تعلّمنا منك – فعل مقاومة للحزن، وشهادة على الحياة.