12:57 صباحًا / 27 يوليو، 2025
آخر الاخبار

هل الفلسطينيون جادون في بناء “مجلس وطني جديد” بقلم : د. علاء سليمان الديك

هل الفلسطينيون جادون في بناء "مجلس وطني جديد" بقلم : د. علاء سليمان الديك

هل الفلسطينيون جادون في بناء “مجلس وطني جديد” بقلم : د. علاء سليمان الديك

تشهد الأوساط الفلسطينية جدالاً واسعاً بشأن الأليات الواجب إتباعها لإنتخاب مجلس وطني جديد بعد أن صدر مرسوم رئاسي بهذا الخصوص مؤخراً. وهذا ألقى بظلاله على بعض الفصائل والحركات الوطنية والمؤسسات الأهلية والعديد من الخبراء والمحللين للتعلق وإبداء الرأي في ماهية وآلية وشرعية إجراء تلك الإنتخابات، وخاصة في ظل سوء الأوضاع العامة بسبب إضطراد إجراءات الإحتلال الأحادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة، وأيضاً إستمرار حالة الإنقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، وغياب الوحدة والشراكة الفعلية بين كل الأطياف الفلسطينية سواء داخل منظمة التحرير أو من هم خارجها.


وقبل الحديث عن أهمية ومخرجات هذا المقال، لا بد من التطرق لبعض المحطات الهامة التي شهدتها الحياة السياسية الفلسطينية، والتي ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالمجلس الوطني الفلسطيني الذي يعتبر السلطة العليا للمنظمة ويضع سياساتها ومخططاتها وبرامجها المستقبلية. فلقد إنعقد أول مجلس وطني فلسطيني في سبتمبر 1948، نتيجة ظروف الحرب أنذاك، وأقر تشكيل حكومة عموم فلسطين وإعلان دولة فلسطين بحدودها المعروفة كما كانت قبل 15 مايو 1948، رافضاً بذلك قرار التقسيم 181. وقد أعيد تجديد المجلس الوطني الفلسطيني عام 1964، بعد أن تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 28 مايو من العام نفسه، بهدف تمثيل الفلسطينيون في كل المحافل الدولية. وفي عام 1973 أقر مؤتمر القمة العربي في الجزائر، أن منظمة التحرير هي الممثل والشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بكل أطيافه وفي كل أماكن تواجده. وفي الدورة السادسة لإنعقاد المجلس الوطني في أيلول 1969 رفضت المنظمة الحلول السلمية وقرار مجلس الأمن الدولي 242. في المقابل، أقر المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 برنامج النقاط العشر، البرنامج السياسي الذي اتفق عليه الساسة الفلسطينيون (بإستثناء جبهة الرفض) للمرحلة السياسية القادمة، والمتمثل بضرورة إنشاء كيان فلسطيني على جزء من الأرض الفلسطينية، كخطوة لإستكمال التحرر الشامل وبناء الدولة لاحقاً. وفي نوفمبر 1988 أقر المجلس الوطني الفلسطيني أثناء إنعقاد دورته في الجزائر، البيان السياسي بالتزامن مع وثيقة إعلان الإستقلال، حيث أكد على الرغبة في السلام وحل النزاعات بالطرق السلمية والإعتراف بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.


فالملاحظ مما سبق، أن هناك تحول جذري في الموقف السياسي الفلسطيني على مدار عقود سابقة نتيجة ظروف موضوعية وسياسية، ونحن بمعزل عن تقييم هذا الأداء والخوض في تفاصيله هنا، ولكن أهمية ذلك تكمن في أن المجلس الوطني الفلسطيني هيئة سياسية قيادية عليا تحدد مسار ومستقبل قضية شعب مازال يناضل من أجل حريته وتقرير مصيره على مدار عقود، وعليه لا بد من الإهتمام بكيفية بناءه ليكون أكثر فاعلية ومصداقية أمام الفلسطينيين أنفسهم وكل المهتمين والداعمين لعدالة القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً. والجدير بالذكر أن الإنتفاضة الشعبية الأولى عام 1987 قد حققت نتائج سياسية تمخض عنها مبادرة سياسية برعاية الجانب الأمريكي والعرب وحلفائهم الأوروبيين، لإرساء السلام بين العرب والفلسطينيين والإسرائيليين، تمثلت بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991 لرعاية عملية السلام عبر التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعليه تم إعلان إتفاق أوسلو في أيلول 1993، الذي سبقه تبادل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي رسائل الإعتراف المتبادل أنذاك، إعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، مقابل إلتزام إسرائيل بالحل السلمي بين الطرفين وإعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني. وفي أيار عام 1994 إنسحبت إسرائيل من قطاع غزة وأريحا تنفيذا للإتفاق، واصبحت تلك المناطق تحت إدارة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني.


من هنا برزت أهمية كتابة هذا المقال، وخاصة أن هناك العديد من التحديات التي باتت تفرض نفسها وتؤثر في أداء وعمل المجلس الوطني الفلسطيني كهيئة تمثل الفلسطينيين. فمثلاً عارض العديد من أعضاء المجلس الوطني العودة لفلسطين تحت غطاء إتفاق أوسلو، على إعتبار أن مرحلة التفاوض غير متكافئة ولن تحقق شيء يذكر للشعب الفلسطيني، وبذلك حصلت إنقسامات مازالت تداعياتها تلقي بظلالها على شرعية المجلس والمنظمة لاحقاً. إضافة لإستمرار حالة الإنقسام وغياب الوحدة الداخلية الفلسطينية فيما يتعلق بالمنهج والبرنامج السياسي لمستقبل النظام السياسي الفلسطيني، وغياب الشراكة الحقيقية والجادة في صناعة وإتخاذ القرار الوطني المستقل بين الأطراف الفلسطينية الفاعلة داخل منظمة التحرير الفلسطينية أو خارجها، والمؤشر على ذلك غياب فاعلية مؤسسات المنظمة بالمعنى الوطني المطلوب، وخاصة أن الفلسطينيين في مرحلة تحرر وطني لم تنجز بعد، وأن مرحلة البناء والتفاوض والعمل السياسي لم تحقق أهداف الشعب الفلسطيني بالحرية والسيادة والإستقلال، فالكل الفلسطيني محاصر وتحت الإحتلال، مع غياب العدالة في الحقوق الإجتماعية والإقتصادية وما شابه، التي تعتبر أهم المقومات لصمود الفلسطينيين، وذلك بحسب المتابعين والمهتمين بتقييم أداء عمل المؤسسة الفلسطينية خلال العقود الماضية. لذلك حلت مؤسسات السلطة الفلسطينية بالمقام الأول أمام المحافل الإقليمية والدولية على حساب دور ومكانة مؤسسات منظمة التحرير، وفي مقدمتها المجلس الوطني الفلسطيني. علاوة على ذلك، فإن النظام الأساسي لمنظمة التحرير، المادة الخامسة والثامنة منه بالتحديد، تنص أن التمثيل يتم بالانتخاب المباشر مع تحديد ولايته القانونية، في المقابل استمر عمل المجلس الوطني الحالي طيلة عقود سبقت، بلا إنتخابات مباشرة وبالتعيين والتوافق بين الأحزاب والفصائل والإتحادات والنقابات الشعبية والمستقلين وغيرهم، بحجة أن الظروف لم تتهيأ لإجراء الإنتخابات. علماً أنه جرى إجتماع بمشاركة ممثلين عن كل الفصائل والحركات الفلسطينية في عمان لإعداد نظام انتخاب المجلس الوطني، حيث إتفق المجتمعون على مبدأ الانتخاب المباشر لأعضاء المجلس على أساس التمثيل النسبي الكامل، ويتم التوافق على الأعضاء في الدول التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها، ويكون عدد أعضاء المجلس الوطني 350 عضوا، منهم 150عضواً داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، و200 عضواً في مناطق الشتات، وتم تحديد شرط قبول الترشح بإعلان المرشحين التزامهم بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. وفي مايو 2013 تم إعتماد النظام الإنتخابي من قبل اللجنة التنفيذية للمنظمة، لكنه لم ينشر في الجريدة الرسمية كالمعتاد، ومازال مجهول المصير.


وعليه، فإن الفجوة بين الأطراف الفلسطينية في إضطراد فيما يتعلق بعدم الإتفاق على فاعلية مؤسسات منظمة التحرير وأهمها المجلس الوطني، وبالتالي فإن مستقبل هذه المؤسسة سيكون غامض، في الأداء والتمثيل، ولن تقوم بدورها الفعال تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية في ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من تطورات وظروف مصيرية. فالوحدة والشراكة الفلسطينية غائبة، والتوافق على برنامج سياسي لبناء نظام سياسي سليم غائب، ناهيك عن غياب حوكمة المؤسسة الفلسطينية لتحقيق الحكم الرشيد والعدالة الإجتماعية من أجل تعزيز صمود الفلسطينيين في ظل أوضاع سياسية وإجتماعية وإقتصادية متردية. فبناء مجلس وطني جديد يتطلب التشاور والتوافق الوطني المسؤول والجاد من خلال الإحتكام للشعب بهدف بناء مؤسسة فعالة قادرة على تمثيل الكل وإتخاذ القرار المستقل لمواجهة التحديات الراهنة، وغير ذلك يعتبر مساس بمسيرة وحوكمة المؤسسة الوطنية التي إرتبط وجودها بقضية شعب عادلة منذ عقود، وأصبحت معظم دول العالم تعترف بها كممثل للشعب الفلسطيني وعنوان لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة.


في المحصلة، فإن الدعوة لإجراء إنتخابات مجلس وطني جديد دون توافق وطني جاد وملموس لم يكتب لها النجاح بالمعنى المطلوب. فالساسة الفلسطينيون مطالبون بتنفيذ ما تم الإتفاق عليه في إعلان بيكين في يوليو 2024 لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، والمضي بإجراء إنتخابات عامة في كل الأراضي الفلسطينية، وذلك بوضع إطار زمني محدد وواضح لإجرائها، طبعاً بعد أن يتم مخاطبة الدول المعترفة بفلسطين كدولة، في التحرك الفوري لإلزام إسرائيل لوقف إجراءاتها الأحادية والإستعمارية في الأراضي الفلسطينية كافة، الحرب والحصار والضم وما شابه. وإذا تعذر ذلك، على الساسة الفلسطينيون الإبتعاد عن الشجب والإستنكار والمناشدة والتحليل، وإتخاذ قرار وطني مسؤول، حازم وثابت، بعيد عن المجاملات لأحد، مفاده “على دول العالم إحترام قراراتها السيادية والقانونية تجاه الفلسطينيين، فاليتحمل الجميع المسؤولية تجاه الفلسطينيين وتضحياتهم التي تستحق الحرية وتقرير المصير، وأن يتم عودة القضية الفلسطينية للأمم المتحدة من جديد، وتعليق الإعتراف بكافة القرارات والإتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، لحين تجسيد الحقوق الفلسطينية على الأرض وفق تلك المرجعيات، فما الفائدة منها إن لم تكن قادرة على حماية الشعب الفلسطيني ومكتسباته الوطنية”. فالسياسي المسؤول عليه أن يقرر ويمضي وفق القوانين والأعراف المحلية والدولية بما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا لشعبه وقضيته، فلا يحلل ولا يجامل ولا يستجدي أو ينتظر من أحد أن يهديه حقوق شعبه المشروعة والعادلة، هكذا تحررت الشعوب وقامت ببناء دولها عبر التاريخ. لذلك، مطلوب من الساسة الفلسطينيون بناء المؤسسة الفلسطينية، المجلس الوطني مثلاً، على أسس ديمقرطية سليمة نابعة من إرادة الشعب، بهدف تحمل الجميع المسؤولية وفق ما تقتضية المصلحة العامة والظروف المصيرية، والتي أصبح يعيشها الفلسطينيين اليوم.

شاهد أيضاً

الاحتلال يداهم عددا من المنازل في حي الهدف بمدينة جنين

الاحتلال يداهم عددا من المنازل في حي الهدف بمدينة جنين

شفا – داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، عددا من المنازل في حي الهدف بمدينة جنين. وذكرت …