1:02 صباحًا / 21 يوليو، 2025
آخر الاخبار

المسجد الإبراهيمي ، صمود في وجه محاولات التهويد، بقلم : د. سارة محمد الشماس

المسجد الإبراهيمي ، صمود في وجه محاولات التهويد، بقلم : د. سارة محمد الشماس

المسجد الإبراهيمي.. صمود في وجه محاولات التهويد، بقلم : د. سارة محمد الشماس

في قلب مدينة الخليل يقف المسجد الإبراهيمي الشريف شامخاً كأحد أقدم المعالم الإسلامية في فلسطين، وواحد من أقدس المواقع الدينية لدى المسلمين، إذ يحتضن قبور الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وزوجاتهم عليهم السلام. إلا أن هذا المعلم، الذي يجسّد روحاً حضارية وروحانية إسلامية متجذرة، لم يسلم من نيران الاحتلال الإسرائيلي، الذي يواصل منذ عام ١٩٦٧م سياسة ممنهجة تهدف إلى تهويد المسجد وتغيير طابعه الديني والمعماري.

تبدأ المأساة مع احتلال مدينة الخليل‪، حيث فرضت سلطات الاحتلال واقعاً عسكرياً قاسياً في محيط المسجد، تمثّلَ بإقامة الحواجز ونقاط التفتيش التي تعيق وصول الفلسطينيين إلى أماكن عبادتهم، وتحوّل المكان إلى ثكنة عسكرية مغلقة، لا سيما في الأعياد اليهودية. ومع مرور السنوات، تفاقمت الانتهاكات بشكل خطير، بلغت ذروتها في 25 فبراير/شباط 1994م حين ارتكب المستوطن باروخ غولدشتاين مجزرة مروّعة خلال صلاة الفجر، أسفرت عن استشهاد 29 مصلياً، وإصابة أكثر من 200 آخرين

.

المجزرة لم تكن نهاية الكارثة بل بدايتها، فبدلاً من محاسبة القاتل أقدمت حكومة الاحتلال على تقسيم المسجد زمانياً ومكانياً، في سابقة خطيرة، خصصت بموجبها أكثر من 60% من مساحته لليهود، ومنعت المسلمين من دخول أجزاء واسعة منه، وشددت الإجراءات العسكرية في محيطه. كما مُنع رفع الأذان فيه عشرات المرات سنوياً بدعوى “إزعاج المستوطنين”، في انتهاكٍ صارخٍ للحقوق الدينية التي يكفلها القانون الدولي.

ولم تتوقف الاعتداءات عند هذا الحد، إذ شرعت سلطات الاحتلال في إجراءات تهويد معمارية ممنهجة، من أبرزها تركيب بوابات إلكترونية وكاميرات مراقبة، وإدخال تعديلات على البنية الداخلية للمسجد دون تنسيق مع الأوقاف الإسلامية. ويعد مشروع بناء مصعد كهربائي يخترق ساحة المسجد أحد أخطر المشاريع التهويدية، إذ يهدف إلى فرض سيادة يهودية على المكان بغطاء “تطويري”، رغم رفض الفلسطينيين والمؤسسات الدولية.

يترافق ذلك مع الزحف الاستيطاني المتسارع في البلدة القديمة بالخليل، حيث تحوّلت بيوت الفلسطينيين المجاورة للمسجد إلى بؤر استيطانية، في محاولة لخنق المسجد وسط طوق ديموغرافي يهودي. وقد وصفت منظمة العفو الدولية هذه السياسات بأنها “تمثل نموذجاً لنظام فصل عنصري”، وتخالف صراحة اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية لاهاي 1954م بشأن حماية الممتلكات الثقافية في النزاعات المسلحة.

وفي مواجهة هذه السياسات تحرّكت فلسطين دبلوماسياً عبر المحافل الدولية، حيث تمكنت في عام 2017م من تسجيل المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة في الخليل على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر ضمن منظمة اليونسكو. القرار شكل اعترافاً دولياً نادراً، إلا أنه ظل بلا أدوات تنفيذ، في ظل عجز المجتمع الدولي عن فرض التزامات قانونية على سلطات الاحتلال.

ومع تزايد الاستفزازات من اقتحامات يومية، ومظاهر مسلحة داخل المسجد، ومشاركة وزراء إسرائيليين في طقوس دينية استفزازية، يبقى المسجد الإبراهيمي رهينة احتلال لا يعترف بحرمة المقدسات، ولا بقرارات الأمم المتحدة. وتُطرح هنا تساؤلات مشروعة: ما جدوى القوانين الدولية إذا بقيت دون ردع؟ ومتى ينكسر صمت العالم أمام مشهد تتكرر فيه الانتهاكات دون محاسبة؟

المسجد الإبراهيمي ليس فقط معلماً دينياً، وإنما كذلك هو رمز للهوية الفلسطينية والوجود الإسلامي في الخليل. والسكوت عن محاولات تهويده سكوت عن تاريخ عريق، وعن حقوق إنسانية ودينية لا يجوز التفريط بها. حمايته مسؤولية جماعية، تتطلب موقفاً دولياً حازماً، وتكاملاً في الجهود الفلسطينية الرسمية والشعبية للدفاع عنه.

شاهد أيضاً

وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح يتفقد محافظة نابلس

شفا – تفقد وزير الداخلية اللواء زياد هب الريح، اليوم الأحد، محافظة نابلس، والتقى المحافظ …