شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .
التوزيع الذاتي ، حين تُرمى الكرامة في الشارع مع كيس الطحين ، بقلم : الصحفي سامح الجدي
في غزة الجريحة، حيث الدمعة حارقة والجوع ضيف ثقيل لا يغادر، لم تعد المأساة تكمن فقط في القصف والموت والركام، بل امتدت لتسكن تفاصيل الحياة اليومية، حتى وصلت إلى كيس المساعدات الذي كان يُفترض أن يحمل شيئًا من الرحمة، فإذا به يُلقى على قارعة الطريق كأنما يُلقى بحفنة من العار.
اسمه “التوزيع الذاتي”.
لكنه في الحقيقة ليس إلا شكلًا فاضحًا من أشكال الفوضى والعبث والفساد المقنّع. تُرمى الطرود في الأزقة والشوارع وأمام بعض البيوت، دون ترتيب، دون دفاتر، دون قوائم، ودون أدنى اعتبار لكرامة الفقير أو ألم المحتاج. لا مخازن تحفظها، ولا سجلات توثقها، ولا عدالة تُنظمها.
في مشهد لا يليق بالبشر، يتدافع الناس على الطعام كما تتدافع الطيور الجائعة على فتات مرميّ، أطفال تُسحق أقدامهم تحت وطأة التدافع، نساء تتوسل لقليل من الرز، وشيوخ تتكئ على عكازها في طابور الذل، بينما أصحاب “النيّة الطيبة” يلتقطون الصور، ويغادرون المكان منتشين برضا الذات.
أين الإنسانية حين تُلقى المعونة في الشارع؟
أين الرحمة حين يُجبر الجائع على الصراخ والاستجداء؟
وأين المسؤولية حين تُوزع المساعدات دون توثيق أو رقابة أو إنصاف؟
في هذا “التوزيع الذاتي”، لا عدالة تُراعى، ولا حاجة تُقاس، ولا وجع يُفهم. الفقير لا يُسأل عن جوعه، بل يُختبر في قدرته على الجري والمزاحمة، وكأن الكرامة ترف لا يليق به.
هذا ليس عملًا إنسانيًا.
هذه إهانة مغلفة بكيس معونة.
هذه جريمة يرتكبها بعض مدّعي الرحمة، على جثة الكرامة الإنسانية.
أيّ عمل إغاثي هذا الذي لا يُنظّم؟
أيّ خير يُنتَظر من عملٍ لا يعرف للعدالة بابًا، ولا للشفافية طريقًا؟
وأي مجتمع نُريد أن نبنيه إذا كنا نغرس فيه فوضى التوزيع، ونتجاهل صوت المحتاج، ونصمّ آذاننا عن صرخة الكرامة؟
غزة لا تحتاج فقط طحينًا وعدسًا وزيتًا،
غزة تحتاج إلى من يُطعمها بأخلاقه، لا بما تبقى في مخازنه.
غزة تحتاج إلى من يفهم أن الخبز بلا كرامة، جوعٌ مضاعف.
فلنوقف هذه المهزلة،
ولنعد للناس حقهم في الكرامة، قبل أن نمنحهم ما يسدّ الجوع.
