1:53 مساءً / 11 يوليو، 2025
آخر الاخبار

مجزرة أطفال غزة وأقتحام قلنديا ، رسائل الدم في زمن الحديث عن التهدئة ، بقلم : مروان إميل طوباسي

مجزرة أطفال غزة وأقتحام قلنديا ، رسائل الدم في زمن الحديث عن التهدئة ، بقلم : مروان إميل طوباسي


في وقتٍ تتكثف فيه اللقاءات السياسية بين نتنياهو وترامب في واشنطن التي امتازت بترشيح مجرم حرب لراعي اليمين الفاشي الجديد حول العالم لأستحقاق جائزة نويل للسلام ، وطرحت فيها مواقف تؤكد على معاداة الحقوق السياسية والتاريخية لشعبنا الفلسطيني والأصرار على تجريده من الحق المشروع بتقرير المصير ، في وقت تُفرض فيه وقائع ومسار “مبادرات” تهدئة بوساطة قطرية تتفق مع محاولات التطويع بالمنطقة ولا تنهي الحرب . تُصرّ إسرائيل على إرسال رسائلها بلغة الدم والنار ، بمجزرة جديدة استهدفت أطفال غزة صباح اليوم في دير البلح ، بالتزامن مع اقتحام مخيم قلنديا في الضفة الغربية واعتقال العشرات والتنكيل بآخرين ، تكشف أن ما يجري ليس مجرد عمليات عسكرية ، بل هو استمرار مشروع تطهير ديمغرافي ممنهج ، يستهدف قتل الأمل الفلسطيني من جذوره والأصرار على تصفية الوجود والقضية الوطنية التحررية لشعبنا .


هذه المجازر المتكررة لم تأتِ رغم المفاوضات الجارية لوقف اطلاق النار ، بل جاءت بفعلها وتحدياً لها . وكأن إسرائيل تسعى إلى فرض وقائع دامية قبل أي تهدئة قد تكون مرتقبة ومجتزئة تضمن فصل القطاع عن الضفة واستمرار سيطرة الأحتلال على معظم اجزاء القطاع بما يمنع استحقاق الدولة الوطنية المستقلة واستبداله بمشاريع مناطق العزل الجغرافي بصلاحيات وظيفية إدارية تنفي مفهوم الدولة وإنهاء الأحتلال كمتطلب اساسي وجوهري ، بحيث تكون الغلبة الميدانية لها ويُفرض الاتفاق تحت أنقاض البيوت وأشلاء الأطفال والأستسلام ، لا على طاولة متكافئة بما يحقق مصالح دولة الأحتلال ، رغم الحاجة الانسانية الملحة لوقف آلة القتل الأسرائيلية .


نتنياهو ، بلقائه مع ترامب يبعث برسالة مزدوجة مفادها ، نحن لا نخضع للضغوط الدولية ، ولا نكترث ببيانات الإدانة أو وساطات التهدئة . أما ترامب ، الذي يدّعي رغبته في وقف الحرب ، فهو لا يفعل شيئا حقيقيا لردع آلة القتل ، بل يبدو شريكا صامتا في التمهيد لتصفية تنسجم مع مشروع إسرائيل الكبرى والشرق الاوسط الجديد ، لا مع حقوق شعبنا الفلسطيني .


وتتجلى “أزدواجية المعايير” بل والشراكة الأميركية حين تواصل واشنطن تهديداتها بفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية وعلى فرنسيسكا البانيزي وآخرين من موظفي الأمم المتحدة ، بدل دعم جهودهم في توثيق الجرائم ومحاسبة الجناة . بهذا السلوك ، تُعلن الولايات المتحدة بوضوح أنها ليست وسيطاً ، بل شريك مباشر ومتواطئ في ارتكاب الجريمة .


وهنا ، وكما هو تاريخ الولايات المتحدة في ارتكاب الجرائم بحق شعوب الأرض ، ينكشف حجم الإرهاب بدعم أميركي مباشر ، لا يتجلى فقط في ازدواجية المعايير ، بل في رد الفعل الأنتقامي الأميركي على خساراتها المتتالية أمام الصين وروسيا ، وفي سعيها لإضعاف المؤسسات الدولية وتقويض دورها ، حتى يسود الفراغ وتسود الفوضى آركان النظام الدولي المتهاوي امام أرهاصات التحولات الجارية ، وحتى تستمر المحرقة بحق الشعب الفلسطيني بلا محاسبة وعقاب . كل ذلك يحدث في ظل غياب موقف دولي مسؤول ، وصمت عربي رسمي لا يرقى إلى مستوى الحدث ولا إلى حجم الجريمة والمحرقة المستمرة ، رغم أن المجازر اليوم تطال الأطفال وهم ينتظرون وامهاتهم في طابور استلام مكملاتهم الغذائية في غزة المحاصرة والمدمرة .


في الواقع ، نحن أمام مجزرة استراتيجية ، لا مجازر موضعية . ما يجري هو تفكيك ممنهج للجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية وفق رؤية الحركة الصهيونية العالمية ، تجري وغزة تحت النار والقصف والأبادة للتهجير تحت شعار “حرية الاختيار” ، والتحضير التهجير ، والضفة تحت الأجتياح وتهجير المخيمات ، والقدس تحت التهويد . ومَن يفاوض في ظل هذا النزيف ، يجد نفسه محاصراً بخرائط ميدانية جديدة تُرسم بالدم .


الردّ الفلسطيني لا يجب أن يكون بالصمت ، ولا بأنتظار وسطاء لا يملكون قراراً ولا بانتظار أدوار جديدة . المطلوب اليوم مواجهة سياسية واضحة المعالم وخطاب فلسطيني جديد قبل فوات الآوان ، في وقت تجري فيه سياسات تقويض دور السلطة الوطنية ومنظمة التحرير ومحاولات استبدالها بسلطة “متجددة” غير وطنية . رؤية وخطاب وبرنامج وأدوات تهدف الى تعرية ومواجهة المشروع الصهيوني بوصفه مشروعاً استعمارياً استئصالياً واحلالياً ، كما ويعيد الأعتبار للمقاومة السياسية والقانونية والشعبية الوطنية الموحدة ويساهم في حماية وصمود أبناء شعبنا لا زيادة تكلفة أعباء الحياة عليهم ، وللتحرك العربي والدولي دوره المفترض بعيداً عن التقاعس والخوف من ضغوطات الغطرسة الأمريكية ووعودها الزائفة التي تهيئ فقط لهيمنة القوة الاسرائيلية بالأقليم ، في وقت تعيش فيه هذه الهيمنة الأزمات المتتالية الداخلية الحزبية وتباين المواقف بين القيادة العسكرية والسياسية والخارجية منها بفعل عزلتها المتنامية وتصاعد التضامن الدولي غير المسبوق وخسائرها الأخيرة بالقطاعات البشرية والإقتصادية كما والعسكرية نتيجة الردود على عدوانها في غزة والضفة وخارج حدودها .

شاهد أيضاً

10 شهداء وإصابة أكثر من 60 آخرين من منتظري المساعدات في رفح

شفا – استشهد 10 مواطنين وأصيب أكثر من 60 آخرين بجروح، اليوم الجمعة، جراء إطلاق …