12:19 صباحًا / 29 يونيو، 2025
آخر الاخبار

التعليم الإلكتروني في فلسطين ، بين ضرورات الواقع وتحديات الجودة الأكاديمية ، بقلم : إيمان مرشد حماد

التعليم الإلكتروني في فلسطين ، بين ضرورات الواقع وتحديات الجودة الأكاديمية ، بقلم : إيمان مرشد حماد

“التعليم الإلكتروني في فلسطين: بين ضرورات الواقع وتحديات الجودة الأكاديمية.” بقلم : إيمان مرشد حماد

في عالم مضطرب يعج بالصراعات، وبرعاية الثورة التكنولوجية الهائلة في مجال الإنترنت، برز التعليم الإلكتروني كواحد من أقوى الخيارات لضمان استمرارية العملية التعليمية في المدارس والجامعات. وكانت الجامعات السبّاقة والأكثر فعالية في توظيف هذه الأداة التي أصبحت متاحة للجميع، مما سمح باستمرار العملية التعليمة حتى في أحلك الظروف.

ومع ذلك، فإن التعليم الإلكتروني—كغيره من أدوات العصر الرقمي—سلاح ذو حدين، يحمل في طيّاته فرصاً وتحديات. ومن أكثر القضايا جدلاً اليوم في فلسطين استخدامه كبديل عن التعليم الوجاهي في ظل الحصار والإغلاقات والحواجز. فمن ناحية، يمثّل التعليم الإلكتروني حلاً عملياً لاستمرار التعليم، كما حدث أثناء جائحة كورونا. ومن ناحية أخرى، فإن له سلبيات لا تخفى على أحد، أهمّها ما يتعلّق بغياب العدالة الأكاديمية في الامتحانات الإلكترونية.

ففي الامتحانات عن بُعد، يغيب التمييز الفعلي بين الطالب المتميّز، والمتوسّط، والضعيف. فبعض الطلبة الضعاف أكاديميًا يمتلكون مهارات في التحايل والغش تمكّنهم من تحقيق درجات مرتفعة، بينما يعاني الطلبة المجتهدون من ضغط الوقت والتحديات التقنية. هذه المفارقة تتجلّى بوضوح عندما يكون المدرّس على دراية بمستوى التزام بعض الطلبة خلال اللقاءات الإلكترونية، إلا أن النتائج النهائية قد تخالف هذا الواقع وتكافئ من لم يلتزم أو يشارك أساسًا.

من السلبيات الأخرى للتعليم الإلكتروني ذلك الافتراض العام بأن جميع الطلبة يغشّون، ما يدفع بعض المدرّسين إلى اعتماد أسئلة استنتاجية صعبة أو تقليص وقت الامتحان بشكل مفرط. هذه الأساليب لا تُناسب جميع الطلبة، خاصة أولئك الذين يمتلكون فهمًا عميقًا للمادة لكنهم يعانون من بطء في الطباعة أو استخدام أجهزة قديمة وبطيئة.

كذلك، ينخرط بعض الطلبة في سوق العمل على حساب دراستهم، ظنًا منهم أن بإمكانهم الاعتماد على المحاضرات المسجّلة. لكن هذا يفضي إلى تراكم المحاضرات والتأجيل والتسويف، مما يؤثر سلبًا على مستوى التحصيل.

وتزداد خطورة التعليم الإلكتروني في بعض التخصصات التطبيقية، مثل الطب والهندسة والمجالات التقنية، حيث لا يمكن تحقيق الكفاءة المهنية المطلوبة من خلال الشاشات فقط، مهما كان التزام الطالب أو حرص المدرّس.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الدور التربوي للمدرّس لا يقتصر على إيصال المعلومات، بل يشمل بناء الشخصية، وتعزيز المهارات الاجتماعية، وإقامة علاقات إنسانية لا يمكن أن تزدهر خلف الشاشات الصمّاء.

إذًا، ما الحل في ظل هذه الظروف الاستثنائية؟

من وجهة نظري، لا يمكن الاعتماد الكامل على التعليم الإلكتروني. الحل الأنسب يكمن في المزج الذكي بين النمطين، بحيث يتم تخصيص لقاء وجاهي أسبوعي واحد على الأقل، مع إجراء جميع الامتحانات بشكل وجاهي. ويجب عدم الانجرار خلف بعض الحملات الإلكترونية التي تطالب بالامتحانات الإلكترونية، حيث تبدو هذه الفئة صاخبة على الإنترنت لكنها قد لا تمثّل الأغلبية الفعلية.

يجب أن تحكم العملية التعليمية سياسات واضحة ترتكز على جودة التعليم وكفايات الخريجين، وليس فقط على تفضيلات الطلبة أو رغبتهم في تخفيف الضغط الدراسي . فبعض هذه الرغبات تحركها مصالح آنية، لا تُحمد أثارها على المدى البعيد.

وقد يتساءل البعض: “وماذا عن الحواجز والإغلاقات؟” ويجيب آخرون: “ألم نتجاوز ظروفًا أصعب في الانتفاضة الثانية؟” وهنا أقول: لا بد من حل إبداعي وسطي لا يفرّط في الحق في التعليم، ولا يساوم على جودته.

واخيراً ، علينا أن نتذكّر دائمًا أن الشعب الفلسطيني تميّز بجودة تعليمه وتفوّقه عربيًا ودوليًا، كماً ونوعاً. ومن واجب كل تربوي غيور أن يسعى للحفاظ على هذه الصورة الإيجابية، وأن يغضّ الطرف عن دعوات لا تصبّ في مصلحة التعليم. بل لعلّ بعض الطلبة لو أنفقوا وقتهم وجهدهم في الدراسة بدلًا من كتابة المنشورات للمطالبة بالامتحانات الإلكترونية، لأصبحوا من المتفوقين فعلًا.

إيمان مرشد حمّاد

شاهد أيضاً

شهيدان وجريحان جراء استهداف الاحتلال دراجة نارية جنوب لبنان

شهيدان وجريحان جراء استهداف الاحتلال دراجة نارية جنوب لبنان

شفا – استشهد مواطنان لبنانيان وأصيب آخران، مساء اليوم السبت، في غارة للاحتلال الإسرائيلي على …