9:44 مساءً / 22 يونيو، 2025
آخر الاخبار

عبد الناصر صالح ، صانعاً من صُنّاع الحلم ، بقلم : محمد علوش

عبد الناصر صالح ، صانعاً من صُنّاع الحلم ، بقلم : محمد علوش

عبد الناصر صالح ، صانعاً من صُنّاع الحلم ، بقلم : محمد علوش

في سماء الشعر العربي والفلسطيني، يسطع اسم عبد الناصر صالح ككوكبٍ لا يخبو نوره، شاعرٌ تتجلى في تجربته روح الأرض، ووهج الذاكرة، وألم المنفى، فهو واحد من أولئك الشعراء الذين جعلوا من القصيدة سلاحاً ناعماً في وجه القهر، ومن الكلمة جسراً يصل بين الوجدان الفلسطيني وتاريخه المنكوب بالألم والمطرّز بالأمل.


ولد عبد الناصر صالح في طولكرم، حيث تبدأ الحكاية مع أول شهقة هواء ممزوجة برائحة التراب الممنوع، من هناك، تشكل وعيه الشعري، وتفتحت مداركه على وقع الخطى المنكوبة والمنافي الطويلة، فكانت القصيدة عنده انعكاساً حيّاً لواقع تتقاطع فيه الجراح مع الأحلام، وتتمازج فيه الخسارات مع عنفوان الإرادة.


تجربة شعرية مشبعة بالحس الوطني والبعد الإنساني، حيث يكتب عبد الناصر صالح من وجع الوطن، لكنه لا يقف عند حدود الشكوى والبكاء على الأطلال، بل يخطّ سطوراً ملأى بالتمرد والعزيمة، وقصائد تمور بالحياة والرفض، تصرخ في وجه الغياب، وتستدعي الوجود من رماد التهجير، وتتقاطع في تجربته هموم الذات مع قضايا الناس، وتتماهى فلسطين، لا كجغرافيا فحسب، بل كأيقونة أزليّة للحرية والصمود.


ولأن الشعر عنده ليس ترفاً لغوياً، بل التزام ووعي، جاءت لغته مشحونة بالعاطفة، رشيقةً كأغصان الزيتون، لكنها تضرب بجذورها عميقاً في أرض المعاناة، يستخدم الصورة الشعرية ببراعة لتكثيف الألم، فتغدو القصيدة عنده وطناً بديلاً، وخيمة تلمّ شتات القلب، ومنفى يحمل في داخله العودة.


وتمتاز قصيدة عبد الناصر صالح بالتوازن بين البساطة والعمق، وبين الإيقاع الداخلي واللغة الشفافة، لا يستعرض مفرداته، بل ينتقيها كما ينتقي الفلاح حبات القمح من بين سنابلها، وفي شعره نجد أن العلاقة بين العاشق والمحبوب تأخذ أبعاداً رمزية، حيث يتجسد البحر كمجازٍ عن فلسطين، والمحبوبة كمعادل للحرية المشتهاة.


كان وما زال في حضرة القضية، ولم ينفصل عبد الناصر صالح يوماً عن قضيته، بل ظلّ صوتاً من أصواتها الأصيلة، لا يهادن، ولا يتنازل عن جوهر الصراع، ويحمل فلسطين على كتفيه كما تحمل الأم طفلها في ليل الغربة، يسير بها في المنافي، ويغرسها في القصيدة، لتظل خضراء رغم الرماد، ولتبقى حيّة في الذاكرة الشعرية العربية.


عبد الناصر صالح ليس مجرد شاعر يكتب عن وطن، بل هو شاعرٌ يسكنه الوطن، ويتنفسه بيتاً بيتاً، وجرحاً جرحاً، وتجربته الشعرية تشبه شجرة زيتون بقيت في العاصفة، تتحدى، وتثمر رغم القحط.


هو شاعر اختار أن يكون شاهداً على الزمن الفلسطيني، لكنه أيضاً، وبكثير من التجلّي، اختار أن يكون صانعاً من صُنّاع الحلم.

  • – محمد علوش – شاعر وكاتب من فلسطين

شاهد أيضاً

الاحتلال يغلق حاجز جبع العسكري شمال القدس

الاحتلال يغلق حاجز جبع العسكري شمال القدس

شفا – أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأحد، حاجز جبع العسكري شمال مدينة القدس، …