11:08 مساءً / 15 مايو، 2025
آخر الاخبار

بين أن نتذكر وبين لن ننسى ، النكبة حدث وجودي ، بقلم : نسيم قبها

بين أن نتذكر وبين لن ننسى ، النكبة حدث وجودي ، بقلم : نسيم قبها

قد تكون النكبة لحظة تأسيسية لمأساة مستعرة و مستمرة في تحوّل الشعب الفلسطيني من كيان سياسي واجتماعي نابض في الحياة و متجذر في أرضه ، إلى كتلة بشرية تائهة مشتتة بين اللجوء الجغرافي والشتات المادي والمعنوي .
إن التباكي بالاستخدام المتكرر واللاواعي في مصطلح ( لن ننسى) ، هو هزيمة ذانية يجب الانتصار عليها باستخدام مصطلح ( لنتذكر) ، حيث هذا التغيّر في الخرائط المصطلحاتية يعني الوعي العابر بالفهم المقاوم لكيفية الابتداء بالذاكرة الرجعية ، لأن القسم والحلفان بعدم النسيان هو انهيار مادي ومعنوي ورمزي مؤجل ، ولا يفيد في اختلاق شرارة عودة الوعي بمعنى النكبة المستمرة لسبع عقود وسبع سنين مثقلات بمفاتيح مات أصحابها ، أمّا تذكر النكبة كحاضر مجروح مفتوح في اللاوعي ، فهو المعنى الصامت لاكتظاظات عدم الاستسلام والمبادأة دائما لفهم العودة السياسية والمادية .
ما زالت النكبة تطرح إشكالية “الشرعية” و”الحق” في الصراع على الأرض . فالصهيونية، كحركة احتلالية استيطانية، استندت إلى سردية دينية وثنية مزعومة بتأريخ مزعبل لا سند له ولا أبّ ، يبرير إنكار الوجود المادي والمعنوي الفلسطيني. إلا أن الفلسفة السياسية في ( لنتذكر) تذكرنا بالضرورة بأن “الشرعية” لا تُبنى على الأساطير المكتوبة ببطش الإحتلال وصوره الدامية دائما ، لأن الشرعية حقيقة حيثما حلّت تبنى على العدالة السلسة ، والاعتراف الآمن .
فجأة وجد الفلسطينيون الذين عاشوا على هذه الأرض لقرون، وجدوا أنفسهم خارج اللعبة السياسية ، لانها لعبة بالطبع وليست معادلة إنسانية ، لعبة جعلت من المواطن غريب بفعل القوة العسكرية المفرطة والدعم الرأسمالي الاحتلالي الذي فرض واقعاً جديداً مستمرا .
من الملفت في الحالة الفلسطينية، وبعكس مقولة سارتر ( الجحيم هو الآخرون) ، فكان لافتا ملفتا أن الجحيم الفلسطيني هو إنكار الآخرين لوجوده . فالنكبة حوّلت الفلسطيني إلى بعبع في نظر المشروع الصهيوني الممتد ، كيان يجب محوه أو حصره في مناطق معزولة وشائكة وطاردة للمعنويات . هذا التجريد اللاإنساني من الإنسانية هو ما يجعل النكبة في الوعي مستمرة وفي اللاوعي حاضرة ، لأن الصراع والتصارع ليس على الأرض فقط ، إنه على الحق في أن ( تتذكر) ، أن يعترف بك مثلا كإنسان له تاريخ مرويّ وحقوق حتى في وثنيٌات السياسة.
إن النكبة وهي أنموذج مصغر لأزمات العالم الحديث ، ليست مختصرا لمعاناة شعب بعينه رغم خصوصية المصطلح ، ففي عصر تهيمن فيه الرأسمالية السياسية ، بالقوة العسكرية والاقتصادية على الحقوق المطمورة ، يصبح مصير الشعوب الضعيفة رهيناً بإرادة الشركة التي تحكم هذا العالم . النكبة تذكرنا بأن “الديمقراطيات الغربية” عموما هي الديكتاتوريات الحقيقية لمصّ دماء شعوب العالم الجنوبي .
قد تعكس النكبة إشكالية “الذاكرة والنسيان” في التاريخ. (فإسرائيل) تحاول باستمرار لا ينقطع طمس الذاكرة الفلسطينية، سواء عبر تدمير المخيمات مؤخرا ، أو القرى أو تغيير أسماء الأماكن أو فرض روايتها التاريخية المتماهية مع النيوليبرالية. لكن هل الفلسطينيون نجحوا في تحويل النكبة إلى ذاكرة حية ؟ ، ذاكرة تتناقل بالوعي عبر الأجيال كأداة مقاومة ؟ . هنا يصبح الوعي بالحفاظ على الرواية التاريخية عملاً ثورياً بحد ذاته ، الحفاظ من خلال المدرسة والجامعة والشعاب والحارات والمقاهي والفيافي والملاعب والأعراس ….

وأخيرا بالعودة للفلسفة : هل يمكن أن يتحول (الصراع ) من منطق القوة إلى منطق العدالة؟ ، وقد يكون الجواب معتمدا على مدى استمرار العالم في الصمت السلبي ، ومدى إصرار الفلسطينيين على البقاء في الذاكرة والوعي . النكبة تعطي الدرس من حقل التجربة بأن الحق لا يُمنح طواعيّة ، بل يُنتزع وعيا وطريقة .

شاهد أيضاً

اللواء علام السقا يؤكد التزام الشرطة الكامل بمبادئ العدالة واحترام حقوق المواطنين

اللواء علام السقا يؤكد التزام الشرطة الكامل بمبادئ العدالة واحترام حقوق المواطنين

شفا – التقى مدير عام الشرطة اللواء علام السقا، اليوم الخميس، بالنائب العام المستشار أكرم …