2:29 مساءً / 7 يوليو، 2025
آخر الاخبار

بين أن نتذكر وبين لن ننسى ، النكبة حدث وجودي ، بقلم : نسيم قبها

بين أن نتذكر وبين لن ننسى ، النكبة حدث وجودي ، بقلم : نسيم قبها

قد تكون النكبة لحظة تأسيسية لمأساة مستعرة و مستمرة في تحوّل الشعب الفلسطيني من كيان سياسي واجتماعي نابض في الحياة و متجذر في أرضه ، إلى كتلة بشرية تائهة مشتتة بين اللجوء الجغرافي والشتات المادي والمعنوي .
إن التباكي بالاستخدام المتكرر واللاواعي في مصطلح ( لن ننسى) ، هو هزيمة ذانية يجب الانتصار عليها باستخدام مصطلح ( لنتذكر) ، حيث هذا التغيّر في الخرائط المصطلحاتية يعني الوعي العابر بالفهم المقاوم لكيفية الابتداء بالذاكرة الرجعية ، لأن القسم والحلفان بعدم النسيان هو انهيار مادي ومعنوي ورمزي مؤجل ، ولا يفيد في اختلاق شرارة عودة الوعي بمعنى النكبة المستمرة لسبع عقود وسبع سنين مثقلات بمفاتيح مات أصحابها ، أمّا تذكر النكبة كحاضر مجروح مفتوح في اللاوعي ، فهو المعنى الصامت لاكتظاظات عدم الاستسلام والمبادأة دائما لفهم العودة السياسية والمادية .
ما زالت النكبة تطرح إشكالية “الشرعية” و”الحق” في الصراع على الأرض . فالصهيونية، كحركة احتلالية استيطانية، استندت إلى سردية دينية وثنية مزعومة بتأريخ مزعبل لا سند له ولا أبّ ، يبرير إنكار الوجود المادي والمعنوي الفلسطيني. إلا أن الفلسفة السياسية في ( لنتذكر) تذكرنا بالضرورة بأن “الشرعية” لا تُبنى على الأساطير المكتوبة ببطش الإحتلال وصوره الدامية دائما ، لأن الشرعية حقيقة حيثما حلّت تبنى على العدالة السلسة ، والاعتراف الآمن .
فجأة وجد الفلسطينيون الذين عاشوا على هذه الأرض لقرون، وجدوا أنفسهم خارج اللعبة السياسية ، لانها لعبة بالطبع وليست معادلة إنسانية ، لعبة جعلت من المواطن غريب بفعل القوة العسكرية المفرطة والدعم الرأسمالي الاحتلالي الذي فرض واقعاً جديداً مستمرا .
من الملفت في الحالة الفلسطينية، وبعكس مقولة سارتر ( الجحيم هو الآخرون) ، فكان لافتا ملفتا أن الجحيم الفلسطيني هو إنكار الآخرين لوجوده . فالنكبة حوّلت الفلسطيني إلى بعبع في نظر المشروع الصهيوني الممتد ، كيان يجب محوه أو حصره في مناطق معزولة وشائكة وطاردة للمعنويات . هذا التجريد اللاإنساني من الإنسانية هو ما يجعل النكبة في الوعي مستمرة وفي اللاوعي حاضرة ، لأن الصراع والتصارع ليس على الأرض فقط ، إنه على الحق في أن ( تتذكر) ، أن يعترف بك مثلا كإنسان له تاريخ مرويّ وحقوق حتى في وثنيٌات السياسة.
إن النكبة وهي أنموذج مصغر لأزمات العالم الحديث ، ليست مختصرا لمعاناة شعب بعينه رغم خصوصية المصطلح ، ففي عصر تهيمن فيه الرأسمالية السياسية ، بالقوة العسكرية والاقتصادية على الحقوق المطمورة ، يصبح مصير الشعوب الضعيفة رهيناً بإرادة الشركة التي تحكم هذا العالم . النكبة تذكرنا بأن “الديمقراطيات الغربية” عموما هي الديكتاتوريات الحقيقية لمصّ دماء شعوب العالم الجنوبي .
قد تعكس النكبة إشكالية “الذاكرة والنسيان” في التاريخ. (فإسرائيل) تحاول باستمرار لا ينقطع طمس الذاكرة الفلسطينية، سواء عبر تدمير المخيمات مؤخرا ، أو القرى أو تغيير أسماء الأماكن أو فرض روايتها التاريخية المتماهية مع النيوليبرالية. لكن هل الفلسطينيون نجحوا في تحويل النكبة إلى ذاكرة حية ؟ ، ذاكرة تتناقل بالوعي عبر الأجيال كأداة مقاومة ؟ . هنا يصبح الوعي بالحفاظ على الرواية التاريخية عملاً ثورياً بحد ذاته ، الحفاظ من خلال المدرسة والجامعة والشعاب والحارات والمقاهي والفيافي والملاعب والأعراس ….

وأخيرا بالعودة للفلسفة : هل يمكن أن يتحول (الصراع ) من منطق القوة إلى منطق العدالة؟ ، وقد يكون الجواب معتمدا على مدى استمرار العالم في الصمت السلبي ، ومدى إصرار الفلسطينيين على البقاء في الذاكرة والوعي . النكبة تعطي الدرس من حقل التجربة بأن الحق لا يُمنح طواعيّة ، بل يُنتزع وعيا وطريقة .

شاهد أيضاً

خلال اجتماع لدائرة النقابات المهنية في النضال الشعبي، تؤكد دور النقابات المهنية في النضال الوطني والمطالبي

النضال الشعبي تدين هدم الاحتلال لمنزل في قرية خربثا المصباح

دعت لحملة دولية لانتزاع قرار دولي يلزم الاحتلال بوقف سياسة هدم المنازل شفا – أدانت …