5:04 مساءً / 6 مايو، 2025
آخر الاخبار

من قصر الحمراء إلى قبة الصخرة ، بقلم: د. عمر السلخي

من قصر الحمراء إلى قبة الصخرة ، بقلم: د. عمر السلخي


في الزمن الذي تتحكّم فيه مفاهيم السوق والمناهج الغربية في تشكيل التعليم المعماري، يُعاد طرح السؤال الأهم: هل لا تزال العمارة الإسلامية قائمة كمفهوم نظري وعملي؟ أم أن العولمة قد جرّدتها من معناها وأدخلتها متحف التراث؟ ما بين قصر الحمراء في الأندلس، وقبة الصخرة في القدس، والبيوت التراثية في مراكز القرى الفلسطينية، تقف العمارة الإسلامية لا كأشكال زخرفية فحسب، بل ككيان فكري وجمالي وهوية يُهدَّد بالطمس أو الاختزال.


في العديد من الخطابات الغربية يُنظر إلى العمارة الإسلامية إما بوصفها امتدادًا للفن الزخرفي التقليدي، أو كمرحلة منتهية في تاريخ المعمار العالمي، ويُطرح سؤال خبيث بصيغة نقدية: هل يمكن حقًا التحدث عن “عمارة إسلامية” موحدة رغم تعدد البيئات الجغرافية؟ أليست مجرد أنماط مختلفة يجمعها الدين دون نظرية واحدة جامعة؟ الردّ على هذا الطرح يتطلب إعادة تعريف العمارة الإسلامية ليس عبر الزخرفة أو القباب، بل عبر منظومتها الفكرية التي تقوم على التوحيد، الاعتدال، التجريد، واحترام الفضاء كامتداد للقيم الدينية والروحية، قبة الصخرة، على سبيل المثال، لا تُقرأ فقط من حيث شكلها الثماني أو زخارفها الكوفية، بل من حيث موقعها، مركزيتها، انعكاسها للنور، وارتباطها بمفهوم القداسة والتوحيد، وهو ما يجعلها نموذجًا فريدًا للعمارة كعقيدة مبنية.


في الزمن المعولم، تتعرض العمارة الإسلامية إلى شكل مزدوج من التهديد: تغريبها داخل السياق التعليمي، حيث تُدرّس على الهامش، وتُعرض كأنماط تاريخية دون رابط نظري أو وظيفي حيّ، إضافة الى تفريغها في السياق التصميمي المعاصر، حيث تُستخدم عناصرها الزخرفية (كالأقواس أو المقرنصات) في مشاريع تجارية أو رسمية، دون اعتبار لسياقها الروحي أو الاجتماعي، وهكذا، تتحول العمارة الإسلامية من رؤية للعالم إلى “ديكور قابل للتصدير”، ومن بناء متجذر في الوعي إلى منتج استهلاكي خاضع للطلب السياحي أو الفلكلوري.


ان الدفاع عن العمارة الإسلامية لا يعني العودة إلى التقليد، بل إعادة تموضع هذا التراث ضمن منطق نقدي، يعترف بقيمه ويطوره في ضوء الحاجات المعاصرة، ومن هنا، فإن الدفاع الأكاديمي لا يقوم على استدعاء الرموز، بل على: تفكيك الخطاب الغربي المُهيمن على مناهج العمارة، وإعادة بناء سردية معمارية إسلامية متعددة ومتجددة، وإدماج العمارة الإسلامية في المشاريع المعاصرة دون انبهار أو انغلاق، وإنشاء أبحاث علمية جديدة تربط العمارة الإسلامية بالمجتمع والبيئة والسياق.


العمارة الإسلامية في فلسطين ليست فقط تراثًا، بل جبهة مواجهة، فالمساجد التاريخية، وقبة الصخرة، ومراكز البلدات القديمة، كلها مستهدفة من سياسات التهويد، إما بالإهمال، أو بالاستبدال، أو بالاستغلال، وفي المقابل، فإن إعادة تفعيل العمارة الإسلامية في فلسطين يتطلب: إدراج تاريخ العمارة الإسلامية الفلسطينية في المناهج الجامعية كجزء من الهوية الوطنية، إنتاج مشاريع معمارية معاصرة تستلهم من التراث دون نسخه، وإشراك طلاب العمارة في ترميم المساجد والأسواق والمباني التاريخية بأسلوب علمي حديث، وربط العمارة بالذاكرة والحق السياسي في المكان، لا فقط بالتراث.


قصر الحمراء في الأندلس لا يزال من أجمل الشواهد على جماليات العمارة الإسلامية، لكنه أيضًا شاهد على الغياب القسري، والمنفى الحضاري، وفي المقابل، تصمد البيوت في القدس والبلدة القديمة في الخليل وفي مراكز الريف الفلسطيني وتتربع على الجبال المقامات الدينية كدليل على استمرار العمارة الإسلامية كأداة مقاومة يومية، تحفظ الذاكرة، وتحمي المكان، وتُجسد الانتماء، وفي هذا السياق، لا يمكن للفلسطيني – المعماري، والطالب، والمواطن – أن يتعامل مع العمارة الإسلامية كخلفية تاريخية فقط، بل كممارسة يومية ترتبط بالبقاء، والسيادة، والرؤية للعالم.


العمارة الإسلامية ليست مجرد أشكال تُكرر، بل لغة فكرية روحية بصرية تُترجم هوية حضارية قائمة على التوحيد والتناسق والكرامة، والدفاع عنها في زمن العولمة هو دفاع عن الذاكرة، والسيادة، والمعنى، وفي فلسطين، وفي العالم الإسلامي عمومًا، لا يكفي أن نُرمم قبابنا ومساجدنا، بل علينا أن نُعيد بناء خطابنا المعماري، وأن نعلّمه لأجيالنا لا بوصفه حنينًا، بل بوصفه وعيًا وبديلًا وإبداعًا.

شاهد أيضاً

مستوطنون يضرمون النيران في أراضٍ زراعية شمال شرق رام الله

مستوطنون يضرمون النيران في أراضٍ زراعية شمال شرق رام الله

شفا – أضرم مستوطنون، اليوم الثلاثاء، النار في أراضٍ زراعية، شمال شرق مدينة رام الله. …