11:07 مساءً / 5 مايو، 2025
آخر الاخبار

بين مشاريع الهيمنة الإسرائيلية الإقليمية والصمت العربي ، غزة في قلب النار ، بقلم : سالي ابو عياش

بين مشاريع الهيمنة الإسرائيلية الإقليمية والصمت العربي ، غزة في قلب النار ، بقلم : سالي ابو عياش


في ظل الضعف العربي المتزايد تجاه ما يحدث في قطاع غزة بصورة خاصة وفلسطين بصورة عامة، تمضي إسرائيل بخطى ثابتة نحو تعزيز هيمنتها الإقليمية، ضاربةً بعرض الحائط أي رادع أخلاقي أو قانوني. فرغم عدوانها المفتوح على غزة، تتوسع إسرائيل في تدخلاتها المباشرة وغير المباشرة في أكثر من ساحة عربية، كالضربات الجوية المتكررة في سوريا على سبيل المثال، وتهديداتها الأخيرة تجاه اليمن بذريعة حماية الملاحة في البحر الأحمر. كل ذلك يجري وسط صمت رسمي عربي وتواطؤ دولي، ما يمنح إسرائيل شعوراً مريحاً بالإفلات من العقاب، ويغذي سعيها إلى فرض وقائع جديدة على الأرض.


تأتي هذه التطورات في وقت تتصاعد فيه الهجمات على قطاع غزة، ليتعمق الجرح الإنساني هناك، وسط تدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية، وانعدام الحد الأدنى من الأمان للمدنيين. تزامناً مع تصريحات إسرائيلية رسمية تؤكد نية توسيع العملية العسكرية، فقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن خطط هجومية جديدة تشمل استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، وهو ما صادق عليه المجلس الوزاري المصغر “الكابينت”، في خطوة تؤشر إلى دخول الحرب مرحلة أكثر شراسة.


يبدو أن الحملة الإعلامية الإسرائيلية تلعب دوراً حاسماً في تهيئة الرأي العام الداخلي لتقبّل هذا التصعيد، عبر بث رسائل تتحدث عن “ضرورات أمنية” و”معركة مصيرية” في غزة، بينما تتجاهل تماماً حجم الكارثة الإنسانية التي فاقت حدود التصور. هذا الخطاب الإعلامي المتماهي مع أجندة الحكومة، يسعى إلى تبرير الانتهاكات وشرعنة استمرار العدوان، متجاهلاً أن ما يجري هو حرب إبادة ضد شعب أعزل يُحاصر ويُجَوَّع ويُقتَل بلا رحمة.


إن هذا التوجه نحو توسيع العمليات العسكرية لا يخلو من عقبات خطيرة. فعلى الصعيد الميداني، تواجه القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة في بيئة حضرية معقدة، تعتمد فيها الفصائل الفلسطينية على تكتيكات الأنفاق والكمائن واستنزاف القوات، ما يؤدي إلى خسائر متزايدة ويطيل أمد المعركة. أما داخلياً، فتزداد حدة الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول جدوى استمرار الحرب، في ظل مخاوف من الانزلاق نحو حرب استنزاف طويلة تُضعف الجبهة الداخلية وتُفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية.


أما دولياً، فقد بدأت مواقف بعض العواصم الغربية تشهد تململاً نسبياً، وربما اعتياد للمشاهد وهذه الإبادة، ولكن على الضفة الأخرى، لا يمكن تجاهل الغضب الشعبي العربي المتزايد فالمظاهرات التي خرجت في عواصم عربية وغربية، والهبات الإلكترونية التي اجتاحت مواقع التواصل، تعكس أن الضمير الجمعي لا يزال ينبض بقضية فلسطين، حتى وإن خانتها الأنظمة السياسية وعلى الصعيد الإنساني، فإن أي توسيع إضافي للهجمات يعني مزيداً من القتل والتدمير والتهجير، في وقت لم تنجح فيه إسرائيل في تطبيق خططها للإجلاء القسري، وواجهت رفضاً فلسطينياً وشعبياً عارماً في هذا السياق. ما تقوم به إسرائيل من استهداف ممنهج للمدنيين والبنية التحتية يُشكّل انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف، ويرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، لم تُفعّل المحكمة الجنائية الدولية أدوات الردع، مما يعكس تسييس العدالة الدولية وخضوعها لحسابات القوى الكبرى.


وهنا يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن أن تُغتفَر هذه الجرائم؟ وكيف يمكن الحديث عن السلام بمعناه الحقيقي، بينما تغرق غزة في الدم والركام؟


حتى لو افترضنا أن هنالك لحظة أمل حقيقية في سلام عادل في الاقليم، فإن هذه اللحظة تبددت تدريجياً، سنةً بعد أخرى، بفعل السياسات الإسرائيلية القائمة على العدوان والعقاب الجماعي والإخضاع بالقوة، لقد تآكلت الثقة، وتعمقت الفجوة النفسية والوجدانية بين الشعبين، وانهار أي أساس منطقي للحديث عن “حلول سلمية” في ظل غياب الحد الأدنى من العدالة.


وفي ظل هذه المعادلات المختلة، لا يمكن تجاهل الأداة المالية التي تلعب دوراً خفياً لكنه بالغ التأثير في تمكين إسرائيل من مواصلة عدوانها؛ فالدولار الأميركي لم يعد مجرد عملة، بل أداة هيمنة سياسية واقتصادية بامتياز من خلال سيطرة واشنطن على النظام المالي العالمي، تستطيع توجيه الموارد وتقديم المساعدات لإسرائيل دون عوائق، بينما تُخنق الاقتصادات العربية الخاضعة لنفس المنظومة النقدية، هذه الهيمنة المالية تُستخدم ليس فقط لدعم إسرائيل عسكرياً، بل لضمان استمرار صمت كثير من الأنظمة العربية التي تعتمد على الدولار في تجارتها واحتياطاتها النقدية. بهذا، يصبح الاقتصاد سلاحا، والدولار غطاءً ناعماً لسياسات عدوانية مغطاة بشعارات ” الاستقرار،” و”التنمية “.


وعلى الرغم من هذا المشهد الكارثي، تواصل إسرائيل الدفع في مسار آخر مواز ٍوهو مسار التطبيع؛ فبينما تقصف غزة، تمدّ إسرائيل يدها لعدد من الدول العربية تحت شعار “السلام الإقليمي” و”الشراكة الاقتصادية”، وكأن شيئاً لم يكن على الجانب الآخر من الجدار. ولكن أي تطبيع لا يأخذ في الحسبان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني—وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره وعودة لاجئيه وإنهاء الاحتلال—لن يكون سوى أداة جديدة لتكريس الظلم وتزيين وجه الاحتلال وزرعه في المنطقة العربية كما يسعى ويخطط، إذ أن مشروع التطبيع ليس مجرد علاقات دبلوماسية، بل هو جزء من مشروع صهيوني أوسع لإعادة تشكيل المنطقة وفق مصالح إسرائيل الأمنية والاقتصادية. فالتطبيع يأتي بالتزامن مع مشاريع اقتصادية استراتيجية كـ ‘مشروع الهند-الخليج-إسرائيل’، التي تهدف إلى نقل مركز الثقل الاقتصادي والسياسي تدريجياً من العالم العربي إلى إسرائيل.


وفي هذا السياق الحديث عن الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية يأتي خارج المنطق السياسي والإنساني فهذا التطبيع لا يُبنى على أسس من العدالة والاحترام المتبادل، بل يتحول إلى غطاء لتوسيع النفوذ الإسرائيلي على حساب الأمن القومي العربي، ويُساهم في تغييب القضية الفلسطينية عن الأجندة الإقليمية، في لحظة هي أحوج ما تكون فيها إلى دعم حقيقي وصوت أخلاقي.


قد تنجح إسرائيل في فرض هيمنتها لفترة، لكنها لن تستطيع الاستمرار إلى الأبد. فقد أثبت التاريخ أن أي قوة تعتمد فقط على العنف مصيرها الزوال. ومع مرور الوقت، ستبدأ التحديات بالتراكم، من الداخل والخارج، لتُربك حسابات القوة وتعيد فتح ملفات أُغلقت قسراً. لذلك، فإن الرهان الحقيقي لا يجب أن يكون على استمرار القوة، بل على مراجعة جذرية للمسار والعمل على الوعي العربي نحو طريق أقل تدميراً وأكثر إنصافاً.


إذا كانت إسرائيل جادة فعلاً في البحث عن أمن طويل الأمد، فإن ذلك لن يتحقق بالقوة وحدها، بل بإنهاء الاحتلال، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، والسير نحو تسوية شاملة قائمة على قرارات الشرعية الدولية. دون ذلك، ستظل المنطقة رهينة دوامة لا تنتهي من العنف والدماء، وسيبقى السلام مجرد سراب بعيد المنال.

شاهد أيضاً

جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين تبحث مع سفير الصين في فلسطين سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة

جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين تبحث مع سفير الصين في فلسطين سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة

شفا – عقدت جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين – القدس برئاسة السيد كامل مجاهد في مدينة …