
الذكاء الاصطناعي في خدمة الأمن الفلسطيني : آفاق واعدة لإدارة الأزمات، بقلم: د. عمر السلخي
في عالمٍ يتسارع فيه توظيف الذكاء الاصطناعي لإعادة تشكيل مفاهيم الأمن وإدارة الأزمات، يُطرح السؤال الأعمق: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة سيادية فلسطينية فعلية، أم أن الاحتلال والعولمة الرقمية سيحولانه إلى مجرد أداة مراقبة أو استهلاك تقني؟ بين طموحات بناء منظومة أمنية فلسطينية مستقلة، وحصار الواقع التقني والسياسي، يقف الذكاء الاصطناعي خيارًا استراتيجيًا لا ترفًا، بل ضرورة وجودية.
الذكاء الاصطناعي… أداة للتحرر أم للضبط؟
في الأدبيات الغربية، يُطرح الذكاء الاصطناعي غالبًا بوصفه أداة لتحسين الكفاءة الأمنية، لكن في السياق الفلسطيني، تتجاوز المسألة التقنية: الذكاء الاصطناعي هنا قد يشكل فرقًا بين مجتمع قادر على إدارة أزماته بنفسه، وبين مجتمع خاضع لمراقبة احتلالية متقدمة، السؤال الحرج: هل نستطيع أن نُعيد هندسة الذكاء الاصطناعي كأداة لتحرير الإنسان الفلسطيني من الهشاشة الأمنية، أم أنه سيتحول إلى أداة ضبط جديدة تُدار من خارج السياق الوطني؟ فاستخدام الذكاء الاصطناعي ليس مسألة تحسين أداء الأجهزة الأمنية فحسب، بل إعادة تعريف العلاقة بين الأمن والحق الوطني، بين البيانات والكرامة، بين الاستباق والسيادة.
العولمة الرقمية كتهديد مزدوج
في الزمن الرقمي، تشكل العولمة تحديًا مضاعفًا: من جهة، تفتح تقنيات الذكاء الاصطناعي فرصًا هائلة لتحسين إدارة الأزمات البيئية والصحية والاجتماعية؛ ومن جهة أخرى، تفتح المجال أمام تهديدات سيبرانية واستعمار بيانات جديد، وفي السياق الفلسطيني، حيث تسيطر إسرائيل على الفضاء السيبراني والاتصالات، يصبح إدماج الذكاء الاصطناعي في الأمن الفلسطيني مشروع مقاومة لا مشروع استيراد أعمى، أي مشروع فلسطيني للذكاء الاصطناعي يجب أن يُبنى على أساس السيادة الرقمية، حماية الخصوصية، واستقلالية القرار، وإلا فإن التطور التكنولوجي قد يتحول إلى طروادة لاختراق المجتمع من الداخل.
الدفاع العلمي… بين الحاجة والتحدي
الدفاع عن الحق الفلسطيني في الأمن الرقمي لا يكون بالانبهار التكنولوجي، بل ببناء خطاب علمي نقدي: تطوير برامج تعليمية جامعية فلسطينية تجمع بين علوم البيانات والحقوق السيادية، دعم أبحاث محلية تستكشف استخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة الأزمات الفلسطينية (البيئية، الصحية، الأمنية)، إنشاء منصات فلسطينية لتحليل البيانات الكبرى بعيدًا عن الهيمنة الإسرائيلية، إدماج الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الأمنية الفلسطينية بشروط نقدية صارمة، تضع السيادة الوطنية كشرط أول وليس نتيجة.
فلسطين كنموذج مقاوم رقميًا
في فلسطين، الأمن لم يكن يومًا رفاهية، تاريخ الاحتلال أثبت أن التحكم بالمعلومة هو شكل من أشكال السيطرة على الأرض والإنسان، ولهذا، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات الفلسطينية ينبغي أن يُنظر إليه كامتداد للنضال الوطني، لا كخدمة إدارية، من خلال تحسين استجابة الدفاع المدني في حالات الطوارئ، إلى مراقبة التعديات الاستيطانية عبر تحليل الصور الجوية، ومن تطوير نظم إنذار مبكر للكوارث البيئية، إلى تحليل الشبكات الاجتماعية لاستباق التصعيدات الأمنية، كل هذه التطبيقات يجب أن تُوضع ضمن مشروع متكامل: بناء منظومة سيادية فلسطينية للأمن الرقمي.
الذكاء الاصطناعي ليس ترفًا… بل معركة على المستقبل
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد برنامج أو خوارزمية، بل لغة جديدة لرؤية العالم وإدارته، في فلسطين، لا يكفي أن نستورد هذه اللغة، بل علينا أن نعيد كتابتها بحروفنا: بحروف السيادة، الذاكرة، الحق الوطني، فعملية بناء مشروع فلسطيني للذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات هو جزء من مشروع أكبر: مشروع التحرر الوطني في زمن الرقمنة، إنها معركة على الأرض، والذاكرة، والمعلومة، وعلى المستقبل.