4:20 مساءً / 28 مارس، 2024
آخر الاخبار

رسالة من أسير بقلم : الدكتورة مرفت محرم

أنا السجين بين القضبان، بعيد عن الأهل والجيران، والصحب والخلان … غابت شمسى ورحل قمرى، فأظلمت سمائى، واغبر أفقى، وغاض مائى، وتكدر هوائى، وتجسم الذل والهوان، والقهر والحرمان…

 

وتمحضت السلطة إلى آلة عنف وشر وعدوان، وهاهى السماء أراها من زنزانتى الآن، يغطى وجهها الغمام المكفهر، وتحجب عنى كل ما أريد، من عالم البشر السعيد، فلا أتوهم لى من مجيب، يأتينى صوته من بعيد، غير عواء الذئاب، ونباح الكلاب، الطالبة لفريسة واحدة، هى هذا الأسير هنا، الذى هو أنا

 

ورغم كثرة الدعاء، تقطع الأمل والرجاء، وخنقنى اليأس والغم، وأحمى فؤادى الهم، وفارقنى النوم المكين،  وأنا الصحفى المسكين،  تنسب إلىَّ أعمال بالظلم  والبهتان، لم تكن فى الحسبان، يوماً من الأيام

 

لقد يبست أشجارى، وهمدت ثمارى، وها أنذا أحاول  تسلق النوائب، لأفرج عن نفسى بالمباهج، التى ما عاد منها إلا الذكريات، فغمست قلمى فى محبره ليفصح بالكلمات، عن ما ألم بى من هم وغم ومعاناة

 

رسالة حروفها الألم الذى تفيض به مشاعرى، معبرة وعابرة، لتلك الحدود الجائرة … تخاطب كل قلب ودود، وتنتظر الردود، بلهفة وصبر، على أحر من الجمر، فى هذا القفر الفارغ من أى ونيس، الخالى من أى جليس، البعيد كل البعد عن مظاهر الحياة، الموحى باستحالة الخروج والنجاة …

 

فالرسالة بمثابة شابكة، تخترق الأسلاك الشائكة، وتطير إلى الأحباب، فتطرق الأبواب الموصدة بأقفال اليأس وانشغال البال، فيستقبلونها بمشاعر تفوق الخيال، وكأنه المحال، يتجدد الأمل وينتعش الرجاء، كالظمآن فى صحراء قاحلة ووجد ماء، فهم فى شوق لو فرق على القلوب الخالية لاشتغلت، ولو قسم على الأكباد الباردة لاشتعلت، فالفراق قد استفحل واستحكم، وامتدت أيامه وطالت مدته وأُحكم، واشتد إجحافه، واتصلت معرته، ودامت مضرته، وبلغ  ذروته، وافترس بباطش قوته، أهلاً هم كالأهلة …..

 

فجاء منهم الرد، الذى على البعد، يحيى الأمل فى نفسى،  فلعل غروس التمنى قد أثمرت، وليالى الحظ قد أقمرت، ورسالتى من الأحبة قد حضرت، فاخضرت وأورقت، وربيعها فاح، وعطرها لاح … رسالة إلىَّ قد وصلت … رسالة إلىَّ قد وصلت

 

لكنها  لن تأخذ طريقها ـ للعبد لله ـ إلا بعد رحلة معاناة، تتمثل فى المرور، على طابور الأشقياء، من الاعتقاليين الأعداء ….. خلال هذه الأيام التى تمر على الأسير وكأنها أعوام، يشعر الإنسان بالمرار، وهو فى وضع خطير يوشك على الانفجار

 

فالأسير لا تصله الرسالة إلا بعد فض مظروفها والأمن اللاأخلاقى هتك عرضها، تصل إلى يد الأسير كالوردة المخذولة التى أكثروا شمها، فذهب عبقها وعطرها، ومن كثرة التداول والتناول تساقطت بتلاتها

 

تصل إلى يد الأسير فى حالة من المهانة، وزوال الهيبة والمكانة، بعد أن يتم احتجازها، وفحصها، واعتقالها، لفترات طويلة …. وهى لا تملك من وسيلة ولا حيلة للفكاك فتضحى مقهورة ذليلة !

 

وكأنى بضابط الأمن يوجه الدبابة والمتفجرات، المحشوة بالرصاصات، نحو سطور الرسالة المشحونة بعبارات الصمود والأمل المعقود، فيحاول قتلها ، فيسيل دمها، وتتبعثر عواطفها، ويعدم مشاعرها فيكعكعها …..

 

فالأمن يعلم علم اليقين أن العواطف المشحونة بالود والإخلاص، والوفاء والتقدير، هى سلاح الأسير فى مواجهة واقع الأسر المرير

 

فيالها من استهانة، بحقوق الإنسان، وياله من هوان، أن تنتهك الخصوصية التى تحفظها وتحض عليها جميع الأديان …

شاهد أيضاً

زاخاروفا تضيف سؤالا خامسا على أسئلة أربعة وضعتها برلين شرطا لمنح الجنسية الألمانية للاجئين

شفا – علقت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على تصريحات وزيرة الداخلية …