4:40 مساءً / 29 مارس، 2024
آخر الاخبار

قوانيين حماية الفساد لا تقيم عدالة اجتماعية بقلم : د. سرحان سليمان

الفساد، عدو تحقيق العدالة الاجتماعية، أو إقامة دولة العدل، سواء كان فساد مالي أو فساد السلطة والنفوذ، فالأول يخلق الفقر والجهل والمرض، والثاني يخلق الظلم والقهر والاستبداد، وما قامت الثورة، إلا بسبب شعور المواطنين بآفة الفساد التي انتشرت في كل مؤسسات الدولة، وسيطرة أصحاب النفوذ على المناصب والأموال، فضاعت الطبقة المتوسطة واختفت، وتمركزت الأموال في أيادي قليلة تقبع في اعلى الهرم، فأصبحت مصر عبارة عن طبقتين، الغنية في الأعلى ،والفقيرة في الأسفل، دون وجود للطبقة المتوسطة التي هي ميزان استقرار أي مجتمع، فتتحرك إلى اعلى ،ويحل مكانها جزءً من الطبقة الفقيرة، في ديناميكية ، دون تدخل، فأصبحت مصر كالبلونة التي تم ربط منتصفها، فأصبحت جزئيان فقط، بينهما حاجز ،لا يمكن التواصل بينهما، إلا بإزالة هذا الحاجز، ومن اهم عيوب خلق طبقتين، أن الأموال تتمركز في لدى أصحاب الدخول المرتفعة المرفهة، التي يغلب على نمط استهلاكها الخدمات والسلع الترفيهية، ويقل استهلاكها من السلع الضرورية، فيقل الاستهلاك بدرجة كبيرة، وبالتالي يؤثر على الإنتاج، لان الاستهلاك هو المحرك الرئيسي للإنتاج، والاستثمار ورغبة المنتجين في إقامة مشروعات جديدة استهلاكية، أما الطبقة الفقيرة فنمط استهلاكها يتمحور على السلع الضرورية فاذا انخفض دخلها بشكل كبير انخفض معها الاستهلاك القومي وادى إلى انكماش الاقتصاد، لذلك وجود طبقة متوسطة ذات دخل متوسط يحرك الاقتصاد القومي ككل ويعمل على انتعاشه، ويزيد الإنتاج، فقد خلق النظام السابق نظاما اجتماعيا من طبقة فقيرة من الموظفين البسطاء وأصحاب منخفضي الدخل والعاطلين وأصحاب المعاشات، مقابل طبقة في غاية الغنى وتكوين الثروة، فانهدم التماسك الاجتماعي وانتشرت الأمراض والبطالة، واثر على ثقافة المجتمع بزيادة الجهل، علاوة على انتشار المخدرات والجريمة بسبب ضياع الأمل في تحقيق مستقبل لعدة أجيال.
إن هناك قوانيين في مصر تخلق الفساد وتعمل على الشعور بالظلم لدى المواطنين، منها الأجور، فلا يوجد نظاما موحدا للأجور، فهناك فروقا شاسعا في الأجور طبقا لمكان التوظيف بالدولة ،ولا تتعلق الوظيفة بعائدها الحدى، ولا بكفاءة الموظف، ولا بحوافز عمله، فحتى الحوافز التي تعطى للموظفين لا يوجد نظاما سليما لها، فهي كأنها جزء من المرتب، ولا ترتبط بحافز جودة، او ترتبط بالقدرات الإنتاجية أو الإبداعية، فلابد من تغيير نظام الأجور في مصر ليكون موحدا، وعادلا، مع بعض المرونة لأصحاب القدرات والإبداع مثل كل دول العالم، وان يكون هناك تقييما للموظفين، ولا يتم الترقيات وفقا للأقدمية ،وإنما وفقا للقدرات الإنتاجية وما يتم تحقيقه وبذلك ينعكس على رغبة الموظف في زيادة عمله، وجودته، فالنظام الحالي للأجور هو الدافع الرئيسي لقيام مظاهرات واعتصامات فئوية، ويجب عدم التعامل بالقطعة في معالجة تلك المطالب الفئوية ، بل يحتاج الأمر لإنشاء نظاما جديدا موحدا يشعر كل الموظفين بالدولة أن حقوقهم تأتى اليهم دون مطالبات، وان الدولة تسعى لذلك، وفقا لبرنامج مواضح تعلنه إعلاميا.
الرشوة والمحسوبية، أمراض مجتمعية صنعتها عوامل كثيرة ، فسبب الرشوة انخفاض الدخول وعدم كفاية الدخول، والشعور بالظلم، وبالفارق في الدخول، وعدم الرقابة، وعدم الدقة في مسؤوليات العاملين بالدولة، وعدم قناعة الموظف بأهمية عمله ودوره المجتمعي، بالإضافة إلى الضغوط اليومية على الموظفين، وبطالة الأبناء، والحاجة إلى ما يكفى لتغطية النفقات الطارئة مثل الزواج وتوفير السكن، وغيره، ذلك بالنسبة للطبقات الفقيرة، أما المحسوبية فقد ظهرت نتائجها بعد الثورة في تولى أشخاص مناصب في المؤسسات اقل كفاءة وعلما واستبعاد آخرين، اكفأ وافضل، واكثر قدرة على الإدارة، وخاصة في الوزارات الهامة، التي تحولت إلى عائلات وأصبحت مستعصية على دخول أبناء الفقراء والبسطاء، إن تلك المنظومة الفاسدة لابد أن تتغير وان يكون معيار الكفاءة والأكثر علما وقدرة هو معيار الاختيار، وان يتم القضاء على الفساد والرشوة .
الفساد بكل مكوناته آفة ضد إقامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهى من اهم أسباب الثورة، وان هناك خطوات مؤثرة تمت في اتجاه القضاء على تلك الآفة ، لكن لا يزال يحتاج المجتمع المصري اكثر من التشريعات والقوانيين والرقابة حتى يبدأ الطريق السليم نحو تحقيق عدالة بدرجة ما لجميع المواطنين.
د. سرحان سليمان
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي والاقتصادي

 

شاهد أيضاً

الاحتلال يواصل إغلاق محافظة أريحا والأغوار ويغلق حاجز تياسير

شفا – واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، إغلاق محافظة أريحا والأغوار بما فيها بلدة …