12:53 مساءً / 23 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

مجلس الشعر الفلسطيني الأول ، بين الاحتفاء بالشعر وأسئلة الانتقائية ، بقلم : محمد علوش

مجلس الشعر الفلسطيني الأول ، بين الاحتفاء بالشعر وأسئلة الانتقائية ، بقلم : محمد علوش

ليس من باب العتب الشخصي، ولا من موقع الخصومة مع أحد، تكتب هذه السطور، بل من منطلق الحرص الصادق والقلق المشروع على الثقافة الفلسطينية، وعلى الشعر بوصفه رافعة أساسية للوعي الوطني والجمالي معاً، فالشعر في فلسطين لم يكن يوماً ترفاً أو هامشاً، بل كان – ولا يزال – لغة الناس في مواجهة القهر، وذاكرة الجماعة، وصوت الأسئلة الكبرى في زمن الانكسار والمقاومة.


أعلنت وزارة الثقافة مؤخراً عن تنظيم “مجلس الشعر الفلسطيني الأول”؛ وهو عنوان كبير وواعد، يوحي باتساع الأفق وعمق الرؤية، وبمحاولة تأسيس تقليد ثقافي جامع، غير أنّ ما رشح عن طبيعة الدعوات وآلية الاختيار يفتح الباب واسعاً أمام أسئلة لا يجوز تجاوزها أو التعامل معها بخفة، لأنها تمس جوهر الفعل الثقافي ومعناه.


لقد وجّهت إليّ دعوة بصفتي ضيفاً غير مشارك، ولم أحضر المجلس، وغيابي هنا ليس موقفاً احتجاجياً بقدر ما هو تعبير هادئ وصامت عن تساؤل أعمق: ما معنى أن يكون هذا المجلس “أولاً” و”وطنياً”، ثم يبنى على دائرة محدودة من الأسماء، وكأن المشهد الشعري الفلسطيني محصور في جغرافيا بعينها، أو ذائقة واحدة، أو شبكة علاقات مغلقة؟ وأي رسالة توجّه إلى عشرات الشعراء الفلسطينيين، في الوطن والشتات، ممن راكموا تجاربهم في العزلة والظروف القاسية، حين يجدون أنفسهم خارج هذا الإطار؟


الشعر الفلسطيني، عبر تاريخه الطويل، لم يكن نخبوياً ولا منغلقاً، هو شعر المخيم والقرية والمدينة، شعر المنفى والداخل، وشعر التجربة الكلاسيكية والحداثة والمغامرة والتجريب، وهو تعدد الأصوات واختلاف الرؤى، لا تنميطها ولا حصرها، فكيف يمكن لمجلس يفترض به أن يؤسس لتقليد ثقافي جامع أن يقوم على الانتقائية، أياً كانت مبرراتها؟ وهل تخدم مثل هذه المجالس الضيقة مستقبل الشعر الفلسطيني، أم تعيد إنتاج أشكال الإقصاء ذاتها التي عانت منها الثقافة طويلاً، وإن بأدوات أكثر نعومة؟


إن احترامنا وتقديرنا لعدد من الأصدقاء الشعراء المشاركين – وهم قامات وتجارب نعتز بها ونجلّ منجزها – لا يتعارض مع حقنا، بل وواجبنا، في مساءلة الإطار العام، فالقضية هنا ليست قضية أشخاص، بل قضية منهج ورؤية، فالثقافة لا تزدهر بالاصطفاء، ولا تتقدم بالدوائر المغلقة، بل بالانفتاح، والاعتراف بالتعدد، وخلق مساحات حقيقية للحوار والتفاعل والتلاقح بين الأجيال والتجارب والاتجاهات المختلفة.


وزارة الثقافة، بما تمثله من بعد رسمي ورمزي، مطالبة بأن تكون مظلة جامعة لا نادياً خاصاً، وأن تؤسس لمجالس ثقافية تعكس غنى المشهد الشعري الفلسطيني لا ضيقه، وتقلق السائد وتستفز الأسئلة، لا أن تطمئن إلى الإجابات الجاهزة، فالشعر في فلسطين جزء أصيل من معركة الوعي والهوية، وأي اختزال له، شكلاً أو مضموناً، هو اختزال لدوره التاريخي ولرسالة من يحملونه.


لسنا بحاجة إلى “مجالس” تدار بمنطق الدعوة والغياب، بل إلى فضاءات ثقافية حقيقية تدار بمنطق المشاركة والاختلاف والعدالة الثقافية، ووحده هذا الطريق كفيل بتعزيز مكانة المشهد الثقافي الفلسطيني، ومنح الشعر مستقبله الذي يستحقه: شعراً حراً، متعدداً، مفتوحاً على كل الأصوات الصادقة، ومنحازاً لقيم الجمال والحرية والكرامة الوطنية والانسانية.

شاهد أيضاً

الكنيست يمدد قانون تقييد القنوات الأجنبية حتى 2027

شفا – صادقت الهيئة العامة للكنيست، الليلة الماضية، بالقراءتين الثانية والثالثة، على تمديد قانون يتيح …