4:38 مساءً / 15 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

مردا ، القرية الحصينة على خاصرة سلفيت ، بقلم : د. عمر السلخي

مردا… القرية الحصينة على خاصرة سلفيت ، بقلم : د. عمر السلخي


تتعدد الروايات حول أصل تسمية قرية مردا، ما يعكس قِدمها وثراءها التاريخي. فبحسب إحدى الروايات، يعود الاسم إلى كلمة مريدة السريانية، وتعني المكان الحصين، وهو توصيف ينسجم مع موقعها المرتفع وطبيعة تضاريسها. كما تحمل الكلمة دلالات أخرى، منها التمرد والعصيان، أو الأرض المنبسطة.


وتذهب روايات شعبية إلى أن التسمية ارتبطت بأهلها، إذ قيل إن سكانها كانوا حِسان المظهر ولا ينبت الشعر في وجوههم. أما المؤرخ ياقوت الحموي، فيذكر أن الاسم مشتق من فعل الردى بمعنى الهلاك، فيما تشير رواية أخرى إلى أن مردا قد تكون نُسبت إلى حجر كريم أو جوهرة يُقال لها مردة، وبين هذه التفسيرات، تبقى مردا قرية ذات اسم عريق يحمل أكثر من بعد لغوي وتاريخي.


الموقع والحدود


تقع قرية مردا إلى الشمال من مدينة سلفيت، على بُعد 3.6 كيلومتر هوائي عنها، وترتفع نحو 449 مترًا عن سطح البحر، ويحدها من الشرق قرية سكاكا وبلدة جماعين، ومن الجنوب مدينة سلفيت، ومن الغرب بلدة كفل حارس وقرية قيره، ومن الشمال بلدة جماعين، ويمنحها هذا الموقع قربًا مباشرًا من مركز المحافظة، ما جعلها تاريخيًا نقطة تواصل بين القرى المحيطة، وفي الوقت نفسه عرضة لضغوط عمرانية واستيطانية متزايدة.


المعالم الأثرية


بئر مردا… ذاكرة الماء في قلب القرية


يُعد بئر مردا من أهم المعالم الأثرية في القرية، ويقع إلى جانب الجامع الذي يتوسط البلدة.


يبلغ عمق البئر 44 درجة تؤدي إلى باب مقوس يُعرف محليًا باسم العد. ويتميّز البئر بشكله المخروطي، إذ يبلغ نصف قطره نحو 5 أمتار من الأعلى، و1.5 متر من الأسفل، فيما يصل عمق المياه الجارية داخله إلى 55 مترًا.


جرى ترميم البئر عام 2009، ولا يزال يُستخدم حتى اليوم كمصدر لمياه الشرب خلال فصل الشتاء ونصف فصل الخريف. وقد أُنشئت غرفة خاصة بمدخل وباب لحماية البئر وضمان سلامة الأهالي، في دلالة على استمرارية العلاقة بين السكان ومصادرهم التاريخية للمياه.


قلعة الخفش… الحراسة القديمة للمكان


تُشكّل قلعة الخفش أحد الشواهد الأثرية البارزة في مردا، وتعكس البعد الدفاعي والتاريخي للقرية،
وقد أُنجزت أعمال ترميم جزء من القلعة بمساحة بناء تبلغ 185 مترًا مربعًا في شهر كانون الأول من عام 2013، في خطوة هدفت إلى الحفاظ على هذا المعلم من الاندثار، وإبراز قيمته التاريخية والمعمارية.


أثر الاستيطان على قرية مردا


تُعد قرية مردا من أكثر القرى تضررًا من الاستيطان في محيط مدينة سلفيت، نظرًا لقربها المباشر من مستوطنة أريئيل، إحدى أكبر المستوطنات المقامة على أراضي المحافظة، فقد أدّت التوسعات المتلاحقة للمستوطنة والمنطقة الصناعية التابعة لها إلى مصادرة مساحات واسعة من أراضي مردا الزراعية، ولا سيما تلك المزروعة بالزيتون.


كما فرض الاستيطان واقعًا معقدًا على حياة السكان، تمثّل في تقييد الوصول إلى الأراضي، وتلوّث التربة والمياه بفعل المخلفات الصناعية، إضافة إلى شق الطرق الالتفافية التي مزّقت النسيج الجغرافي للقرية،


ويُواجه أهالي مردا تحديات مستمرة تتعلق بمنع البناء والتوسع العمراني وبوابتين على مداخلها الرئيسية .


ورغم هذه الضغوط، ما تزال مردا متمسكة بأرضها، مستندة إلى تاريخها العريق ومعالمها الأثرية وروح الصمود لدى أهلها، في مواجهة مشروع استيطاني يسعى إلى فرض واقع جغرافي وديمغرافي جديد على حساب القرى الفلسطينية المحيطة بسلفيت.

شاهد أيضاً

الهباش : القضية الفلسطينية والقدس لن تضيعا ما دام العلماء يصدعون في وعي الأمة بقدسيتها ومركزيتها

شفا – قال قاضي قضاة فلسطين، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، محمود الهباش، إن …