8:44 مساءً / 1 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

هو يومٌ يقول للعالم ، ما زال في الأرض نبضٌ لا يُطفأ ، بقلم : د. منى أبو حمدية

هو يومٌ يقول للعالم ، ما زال في الأرض نبضٌ لا يُطفأ

“هو يومٌ يقول للعالم: ما زال في الأرض نبضٌ لا يُطفأ” ، بقلم : د. منى أبو حمدية

في التاسع والعشرين من تشرين الثاني، يقف العالم أمام السؤال الذي لم تتوقف فلسطين عن طرحه منذ أكثر من سبعة عقود:


هل ما زالت الانسانية قادرة على تجاوز الانحياز في يوم التضامن العالمي؟

وهل ما زال في صخب هذا الكوكب من يسمع دقّات قلب شعبٍ يصرّ على البقاء رغم كل ما يُراد له؟
هذا اليوم، الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1977، لا يشبه غيره…


هو ليس تذكاراً، بل نبضةٌ حيّة، يقف فيها العالم ليقول:” نحن نرى هذا الشعب، نسمعه، ونقف إلى جانبه في معاناته التي ما عادت مجرد خبر، بل حقيقة إنسانية تهزّ الضمير بعنف”.


وفي قلب هذه اللحظة، نقف اليوم أمام أسماءٍ لم تُولد في فلسطين، لكنها اختارت أن تكون فلسطينية الروح…
أسماءٌ جعلت من التضامن فعلًا أكبر من الشعارات.

“راشيل… الفتاة التي أوقفت العالم بجسدها”

راشيل كوري، تلك الأمريكية المولودة في 10 أبريل 1979، لم تكن تبحث عن بطولة، ولا عن ضوء كاميرا.
كانت تبحث عن عدالة بسيطة: أن يُسمح لإنسانٍ أن يحيا في بيته دون أن تدهسه آلة هدم.


في 16 مارس 2003، وقفت راشيل أمام جرافة عسكرية إسرائيلية في رفح، جسدها النحيل أمام كتلة حديدية تصم آذان العالم.
كانت عضوة في حركة التضامن العالمي (ISM)، وسافرت إلى غزة خلال الانتفاضة الثانية لأن قلبها كان يرفض الصمت.
وقفت، ولم تتراجع.


صرخت، ولم يجبها إلا هدير الجرافة.
دهسوها…
لكنهم لم يتمكنوا من دهس رسالتها.
في يوم التضامن، تُرفع صورتها وكأنها تقول:
“لقد حاولت، لأجل الإنسان… فحاولوا أنتم ايضاً.”

“فيتوريو أريغوني… الذي كتب غزة على جلده”

فيتوريو أريغوني (Vittorio Arrigoni)، المولود في 4 فبراير 1975، لم يكن صحفيًا عابرًا، بل كان ابنًا آخر لغزة منذ أن وصل إليها عام 2008.


كاتب، ناشط، وصوتٌ ظلّ يدوّي عبر مدونته “Guerrilla Radio”…
كان يرى غزة بعيون العاشق، لا بعيون المراسل.


في كتابه عن حرب غزة، كتب عن أصوات القصف، وعن ليلٍ لا ينام، وعن أطفالٍ كانوا يضحكون رغم أن السماء كانت تسقط فوق رؤوسهم.
وفي 20 أبريل 2011، اغتيل في غزة على يد مجهولين.


لكن الحقيقة يعرفها الجميع:


فيتوريو لم يُقتل لذاته، بل لوقوفه الواضح والصريح مع الفلسطينيين.
كان يقول دائماً:
“فلنبقَ إنسانيين.”
واليوم، بعد رحيله، يبدو هذا النداء كأنه وصيةٌ ثقيلة على العالم كله.

“توم هرندل… مصوّرٌ أراد أن يحمي الضوء”

توم هيرندال، الشاب البريطاني المولود في 29 نوفمبر 1981، جاء إلى غزة لا لينقل الصورة فقط، بل ليحمي الذين كانت الصورة تُؤذيه لأجلهم.


كان طالب تصوير، وعضوًا في حركة التضامن الدولية.


في 13 يناير 2004، أصابه الجيش الإسرائيلي برصاصة بينما كان يحاول حماية أطفالٍ من نيران القنص.
طفلٌ كان يهرب…
طفلٌ كان يختبئ…


فتقدّم توم بجسده، فكان الهدف.
رحل توم، لكن بقيت لحظته الأخيرة مشهداً لا يتقادم:
أجنبيّ يركض ليحمي طفلًا فلسطينياً ..
والعالم يكتفي بالمشاهدة.

“عائشة إيزيجي… آخر الشهداء الأمميين”

عائشة نور إيزيجي، الأمريكية التركية الأصل، الناشطة الهادئة التي حملت ضوءها إلى بلدة بيتا بالضفة الغربية.
في 6 سبتمبر 2024، خلال مظاهرة سلمية ضد الاستيطان، أصابها رصاص الاحتلال الإسرائيلي.
رصاصةٌ واحدة…


كفيلة بأن تخطف حياة إنسانة جاءت من آلاف الكيلومترات لتقول:
“إن الحق لا يحتاج جنساً ولا لغةً ولا وطناً … بل يحتاج قلباً.”


استشهدت عائشة، لتكتب اسمها في السطر الأخير — حتى الآن — من سجل شهداء التضامن الأممي.

“فلسطين اليوم… جرحٌ لا ينزف وحده”

المدن الفلسطينية اليوم لا تكتب رسائلها بالحبر، بل بالأنقاض.
بيوتٌ تُهدم، معابد تُقصف، أمهاتٌ يحفرن في الركام بحثاً عن ضوء.


ومع ذلك، يبقى الفلسطيني واقفاً، يشدّ عليه الليل من كل الجهات، لكنه لا يستسلم.
في كل بيتٍ فلسطيني، هناك حكاية لا يسمعها الإعلام.
وفي كل شارع، ظلّ طفل يحلم بسماء لا يقطعها صاروخ.

29 تشرين الثاني… ليس يوماً، بل مرآة
يوم التضامن ليس احتفالًا أممياً،
إنه ورقة اختبار للعالم:
هل يقف العالم مع العدالة، أم مع الضجيج؟
مع الضحية، أم مع من يصنع المأساة؟
التضامن ليس منشوراً؛ بل موقف.
ليس شعاراً، بل مسؤولية.
فلسطين… نبضٌ لا يُطفأ

وفي الختام؛ تبقى فلسطين واقفة،
بجراحها، بكرامتها، بصمودها الذي يشرّف الأرض.
ويبقى شهداء التضامن الأممي — راشيل، فيتوريو، توم، عائشة —
كتفاً إلى كتفٍ مع شهداء فلسطين في ذاكرة واحدة:
ذاكرة تقول للعالم إن الحرية لا تُرث، بل تُناضل.

“رسالة إلى العالم والشعوب الحرة”

يا من ما زال في قلوبكم متّسع للحق،
لا نطلب منكم دمعة،
ولا نطلب منكم خطاباً طويلًا…
نطلب شيئاً واحداً:


أن تبقوا إنسانيين.
إن كان في العالم قضايا كثيرة،
فإن فلسطين هي القضية التي تقيس بها ضمائركم.


ومَن يقف مع فلسطين اليوم…
يقف مع العدالة في كل مكان.

  • – د. منى أبو حمدية – أكاديمية وباحثة

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم

اسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم الأثنين 1 ديسمبر كالتالي :شراء 4227 بيع 4228