11:55 صباحًا / 23 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

مُجتَمَعٌ مُتعَبٌ… لَكِنَّهُ لا يَزَالُ قَادِرًا عَلَى النُّهُوض ، بقلم : البروفسوره د. عطاف الزيات

مُجتَمَعٌ مُتعَبٌ… لَكِنَّهُ لا يَزَالُ قَادِرًا عَلَى النُّهُوض ، بقلم : البروفسوره د. عطاف الزيات

يَبدو المجتمعُ أحيانًا كسيِّدٍ شائخٍ أنهكَتْهُ الطُّرقات، وتَناوَبَتْ عليه السُّنون بما فيها من انتصاراتٍ صَغيرة وهزائمَ كبيرة. يتكئ على جدارِ صبره، يلتقطُ أنفاسه، ويُحاول أن يَستجمع ما تبقّى فيه من عزيمةٍ ليتابع السَّير. ورغم ملامح الإرهاق التي تَغرِسُ ظلالَها في وجوه الناس، تبقى في العيون شرارةٌ صغيرة، تشبه ضوءًا خافتًا يرفض الانطفاء.

هذا المجتمع المتعب ليسَ هشًّا كما يظنُّ البعض؛ فالتَّعبُ يُنبت الحكمة، ويُعلّم القلبَ أن يرى أبعدَ من اللحظة، ويصنع من الوجع بوصلةً تُشير دائمًا إلى الطريق الصحيح. إنَّهُ التَّعب الذي يُصفّي الصوت من الضجيج، ويجعل الحقيقة أقرب، والرؤية أعمق.

يَنهدُّ المجتمع حين يشتدُّ عليه الثِّقل، لكنه لا يَسقط. قد ينحني تحت وطأة الظروف، لكنه يُشبه تلك الشجرة العتيقة التي مهما عصفت بها الرياح بقيت جذورها ممسكةً بالأرض، متشبثةً بما تبقى من خصوبتها. ومع كل عاصفة، تتساقط أوراقٌ، لكن تتولّد أخرى أكثر خُضرة، وأقوى احتمالًا للريح.

وفي زحمة الوجع، تظهر وجوه الناس البُسَطاء كينابيعَ صغيرة تُعيد للحياة معناها. امرأةٌ تنهضُ كلَّ صباحٍ رغم الألم لتخبز قوت يومها. رجلٌ يُرمّم شبكته المهترئة لأنه يؤمن أن البحر، مهما غضب، لا يخيب ظنّ الصابرين. طفلٌ يضحك، وكأنَّ الضحكة رسالةٌ تقول للعالم: لا تخافوا… فالحياة لا تزال هنا.

والمجتمع الذي يُنجب هذه التفاصيل الصغيرة لا يمكن أن يموت، ولا يمكن أن يستسلم. إنَّه مجتمعٌ يملك ذاكرةً من نار، وظهرًا من حجر، وقلبًا من ماء؛ يتكيّف، يتجلّد، ويعود كلَّ مرةٍ أكثر نُضجًا من سابقاتها.

النهوض ليس صرخةً مدوية؛ إنه غالبًا مشية هادئة تبدأ من البيوت، من كلمة طيبة، من يدٍ تُمسك بيد، من رغبةٍ صادقة في أن يعيش الناس بطمأنينة وكرامة. النهوض لا يُصنع دفعةً واحدة، بل يُصنع من تلك الأحلام الصغيرة التي يتواصى بها الناس وهم يَشدّون على أكتاف بعضهم البعض.

وفي أعماق كلِّ مجتمعٍ مُتعَب، ضوءٌ لا يُرى بالعين، لكنه يُرى بالقلب. ضوءٌ يُشبه وعدًا قديمًا: أنَّ ما انهدم سيُبنى، وما تشتّت سيتجمع، وأنَّ الطريق وإن طال، سيؤدّي في النهاية إلى نهضةٍ تستحق أن تُروى للأجيال.

هذا المجتمع المتعب… لا يزال قادرًا على النهوض، لا لأن الظروف ترحمه، بل لأن روحَهُ عنيدة، وذاكرته مليئةٌ بما يجعله يستحق الحياة.

  • – الكاتبه والقائده التربويه البروفسوره د. عطاف الزيات

شاهد أيضاً

الاحتلال يهدم منشأة زراعية جنوب شرق طوباس

الاحتلال يهدم منشأة زراعية جنوب شرق طوباس

شفا – هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، منشأة “مزرعة حيوانات” في الرأس الأحمر جنوب …