11:50 صباحًا / 5 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

سلام بلا قوة.. الاعتدال العربي أمام اختبار لبنان ، بقلم : معمر يوسف العويوي

سلام بلا قوة.. الاعتدال العربي أمام اختبار لبنان ، بقلم : معمر يوسف العويوي

سلام بلا قوة.. الاعتدال العربي أمام اختبار لبنان ، بقلم : معمر يوسف العويوي

تبدو الساحة اللبنانية اليوم مرآةً حساسة لواقع النظام العربي الرسمي، ولطبيعة ما يُعرف بـ“محور الاعتدال العربي” الذي ينتهج نهج السلام والتسوية السياسية مع دولة الاحتلال. فلبنان الدولة الصغيرة التي عانت لعقود من الانقسام والتجاذب الإقليمي، يقف اليوم أمام معادلة معقدة بين محورين متباينين: محور إيراني يرفع شعار المقاومة، ومحور عربي يرفع شعار السلام والاستقرار.

بعد الحرب الأخيرة على الجنوب، أعلن “حزب الله” عزمه على تسليم زمام الدفاع للدولة اللبنانية، تأكيدًا على ضرورة أن تكون مؤسسات الدولة وحدها المسؤولة عن حماية السيادة والحدود. خطوة كان من المفترض أن تفتح الباب أمام دعم عربي رسمي لتعزيز قدرات الجيش اللبناني وتمكين الدولة من أداء واجبها في الدفاع عن أرضها وشعبها.

غير أن ما تلا تلك المرحلة كشف عن غياب عربي مقلق، وعن عجزٍ جماعي في ترجمة خطاب “الاعتدال” إلى أفعال ملموسة. فمنذ وقف إطلاق النار، ما زالت دولة الاحتلال تمارس خروقاتٍ متكررة للحدود والأجواء اللبنانية، وتنفّذ اغتيالات داخل الأراضي اللبنانية والسورية وحتى وصلت قطر، دون أن يلقى ذلك أي ردع فعلي أو تحرك عربي مؤثر، سياسيًا أو عسكريًا أو حتى دبلوماسيًا.

إن الدول العربية التي طالما طالبت بإبعاد النفوذ الإيراني عن لبنان، تجد نفسها اليوم أمام فرصة واقعية لإثبات مصداقية هذا الطرح: فها هو لبنان يسعى لاستعادة قراره الأمني والعسكري عبر الدولة ومؤسساتها الشرعية، فلماذا لا تبادر الدول العربية المعتدلة إلى دعم الدولة اللبنانية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، حتى تتمكن من حماية أجوائها وحدودها؟


هل يُعقل أن يُترك لبنان وحيدًا أمام اعتداءات يومية، فيما تمتلك دول عربية أخرى إمكانات هائلة كان يمكن أن تُترجم إلى دعم استراتيجي يعزز الأمن القومي العربي بأكمله؟

إن مفهوم “الاعتدال” لا يُختزل في تجنّب الصدام أو الاكتفاء بالوساطات الدبلوماسية، بل في بناء منظومة ردع عربية متوازنة تحمي سيادة الدول من أي انتهاك خارجي، سواء جاء من إيران أو من إسرائيل.


فالسلام لا يكون بديلاً عن الكرامة، كما أن الاعتدال لا يعني الصمت أمام العدوان.

السلام لا يُصان بالضعف


الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ترفع شعار السلام وتدعو إلى الاستقرار، لكنها تمارس هذا السلام بقوة الردع. فهي تحمي مصالحها بأساطيلها وجيوشها، وتفرض احترام سياستها عبر أدوات القوة، لا عبر بيانات المجاملة.


فلماذا لا يمارس العرب المعتدلون السياسة نفسها بمنطق عربي؟


لماذا لا يكون “السلام العربي” سلامًا قويًا، يُبنى على التمكين لا التبعية، وعلى الدفاع عن السيادة لا تبرير انتهاكها؟

إن بناء قوة عربية تحمي خيارات السلام هو الترجمة الحقيقية للاعتدال، لأن السلام بلا قدرة يصبح هدنة مؤقتة بانتظار خرقٍ جديد، والاعتدال بلا قوة يتحول إلى موقع ضعف سياسي وأخلاقي أمام الشعوب وأمام العالم.

يبقى لبنان اختبارًا صريحًا وجادًا للعرب المعتدلين:


هل الاعتدال خيارٌ استراتيجي لبناء استقرار عربي حقيقي، أم مجرد عنوانٍ لتبرير الصمت والعجز؟
إن المستقبل لن يحترم سوى من يجمع بين اليد الممدودة للسلام والقدرة على الدفاع عن القرار والسيادة.
وهنا فقط يمكن للعرب أن يمارسوا اعتدالهم كما تمارس القوى الكبرى سلامها: سلامًا بالقوة، لا سلامًا بالضعف.

شاهد أيضاً

الخطة الخمسية الخامسة عشرة الصينية: فرصة للعالم

الخطة الخمسية الخامسة عشرة الصينية: فرصة للعالم

شفا – صوت الدجلة – انعقدت الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني …