7:20 مساءً / 2 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

وعد بلفور.. قرنٌ من الجريمة والعار ، بقلم : محمد علوش

وعد بلفور.. قرنٌ من الجريمة والعار ، بقلم : محمد علوش

يمرّ وعد بلفور المشؤوم في ذكراه الثامنة بعد المئة، لا كحدث من الماضي، بل كجرح مفتوح في الجسد الفلسطيني ما زال ينزف منذ أكثر من قرن، ويأتي هذا الوعد الأسود هذا العام وقد أعلنت بريطانيا اعترافها بالدولة الفلسطينية، بعد مئة وثمان سنوات من الظلم، وبعد سنتين من الإبادة المروّعة التي ما زالت رحاها تدور في غزة رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار.


ما خلّفه وعد بلفور منذ عام 1917 لا تختصره المجلدات ولا تحيط به الموسوعات، لأنّها سنوات صنعت من الألم والدم، ومن حروب ومعارك متواصلة لم تهدأ، وبلغت ذروتها بعد السابع من أكتوبر 2023، حين دخلت فلسطين مرحلة مفصلية من تاريخها المعاصر.


ذلك الوعد الاستعماري لم يكن مجرد رسالة، بل جريمة موثّقة على ورق بريطانيّ رسميّ سلخت وطناً من شعبه ومنحته لعصابات دموية منبوذة، لتقيم على أنقاض فلسطين مشروعاً استعمارياً ملبّساً بثوب دينيّ محرّف، وباسم هذا الوعد الظالم اشتعلت المنطقة العربية بحروب وصراعات دامية، وأُسّس لإرهاب منظّم تمدّد في جسد الأمة، يخدم الاحتلال ويمزّق أوصال المجتمعات، ويقلب الوقائع لمصلحة الاستعمار الحديث وأدواته.


واليوم، حين تعترف بريطانيا بالدولة الفلسطينية بعد عقودٍ من الصمت والتواطؤ، فإنّ هذا الاعتراف المتأخّر، وإن بدا رمزيّاً، يحمل في جوهره اعترافاً ضمنيّاً بالخطيئة التاريخية التي ارتكبت بحقّ الشعب الفلسطيني، ولقد خجل العالم أخيراً من نفسه، بعد أن رأى الحقيقة العارية: أكثر من سبعين ألف شهيد خلال عامين، ومئة وعشرين ألف جريح، ودمار شبه كامل لمدن ومخيمات قطاع غزة، وملايين النازحين يعيشون في شريط ضيق بلا ماء ولا دواء ولا مأوى.


لقد انكشف وجه الصهيونية أمام الضمير الإنساني، بعد أن مارس جيش الاحتلال أبشع أنواع القتل والتنكيل والتعذيب، وارتكب كل صنوف الجرائم التي شهدها التاريخ، ولم يعد في وسع أحد أن يبرّر تلك الوحشية بشعارات واهية عن “الدفاع عن النفس” أو “محاربة الإرهاب”.


إنّ العالم اليوم مطالب، لا بمجرد التنديد، بل باتخاذ موقف أخلاقيّ وإنسانيّ حقيقي يضع حدّاً للاحتلال، وينهي معاناة شعب ما زال يحرم من حريته ودولته منذ أكثر من مئة عام، كما أنّ على الولايات المتحدة الأمريكية أن ترفع غطاءها السياسي والعسكري عن القتلة، وأن تنصاع لإرادة المجتمع الدولي الذي بدأ، ولو ببطء، يستعيد بوصلته الأخلاقية.


إنّ مئة وثماني سنوات من النكبات والمجازر كفيلة بأن تؤكّد أنّ فلسطين ليست مجرّد قضية سياسية، بل قضية عدالة وكرامة إنسانية، ووعد بلفور، مهما طال أثره، لن يغيّر الحقيقة الأزلية: أنّ فلسطين باقية، والاحتلال إلى زوال.

شاهد أيضاً

تصريح صحفي صادر عن مؤسسة شمس لدعم السجناء السياسيين وحقوق الإنسان

شفا – تصريح صحفي صادر عن مؤسسة شمس لدعم السجناء السياسيين وحقوق الإنسان حول استشهاد …