2:44 صباحًا / 2 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

“حين تتسلق الكلمات الأسوار نحو الحرية، قبل صاحبها” ، بقلم : قمر عبد الرحمن

“حين تتسلق الكلمات الأسوار نحو الحرية، قبل صاحبها” ، بقلم : قمر عبد الرحمن

هناك كتبٌ تقرأ… تترك فيك أثرًا أعلى من أثر القراءة، وكتاب “الأسوار والكلمات” للناقد فراس حاج محمد واحد من تلك الكتب، يخرج من بين صفحاته صدى المفاتيح والبوابات، لكنه لا يُسمعنا أنين الأسرى، بل إرادة أرواحهم وهي تتسلّق الجدران نحو الضوء.

صدر الكتاب عن منصة “ناشرون فلسطينيون” عام 2025.


يتحدث فيه الناقد بشكل رئيسي عن أدب الأسير المحرر باسم خندقجي، ويقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام تتكامل كأضلاع نصّ واحد: في “العتبات التمهيدية” يضع الناقد حجر الأساس لفهم أدب السجون بوصفه فعلًا معرفيًا وإنسانيًا، وفي “القراءات النقدية” يعبر بنا إلى نصوص الأسرى الكتّاب بعيون محبّة ويقظة، أما “القضايا والآراء” فتمثل تأملات فكرية تتجاوز حدود القراءة إلى طرح أسئلة الحرية والجمال والكتابة نفسها.

لكن هذا العمل ليس دراسة نقدية باردة، بل شهادة حياة على انتصار الكلمة على السجن. هنا يتحوّل الأسر إلى مختبرٍ للروح، وتتحول العزلة إلى نبعٍ للمعنى. تجربة باسم خندقجي الذي كتب من خلف الجدران كما يكتب شاعرٌ من أعالي جبل، رأى من سجنه ما لا يراه الأحرار. كلماته كانت له حرية مؤقتة، وعتبة عبور إلى إنسانيته قبل أن يعانق هواء الوطن.

وليس خندقجي وحده، فثمّة أصوات أخرى لا تقل بهاءً: كميل أبو حنيش، وهيثم جابر، وغيرهم الذين جعلوا من السجن فضاءً للتأمل والإبداع. كلٌّ منهم حمل قيده بكرامة الكلمة، وصاغ من ليله الطويل نجمًا يُضيء لغيره الطريق. واليوم بعدما تحرروا، تبقى نصوصهم دليلًا على أن الكلمة كانت الأسبق نحو الحرية.

ويمتاز فراس حج محمد في هذا العمل بنقده الصادق مع النص أكثر من صدقه مع الأسماء. نقده لا يتزيّن ببلاغة مجانية، بل يتكئ على وعي جمالي يلمس جوهر التجربة. وقد قرأ فراس تجربة خندقجي قراءة مبكرة، حتى قبل أن تحصد روايته “قناع بلون السماء” جائزة البوكر العربية. ومع إشادته بعمقها الرمزي، رأى بموضوعية أنها أقل فنيًا من رواياته السابقة، مؤكّدًا أن القيمة الفنية لا تُقاس بالجوائز، بل بما تُحدثه الكلمة من أثر في الوجدان والفكر. رأيه ذاك لا يقلّل من الإنجاز، بل يمنحه بعده الحقيقي: أن الحرية الإبداعية لا تعرف سقفًا ولا تتوقف عند محطة واحدة.

وفي موازاة هذا الجهد النقدي، لا يمكن تجاهل الدور النبيل الذي يؤديه المحامي حسن عبادي، الذي جعل من صوته جسرًا تعبر عليه كلمات الأسرى من عتمة الزنازين إلى فضاء الحرية. لم يكن ناقلًا لرسائلهم فحسب، بل كان صوتًا يحمل أصواتهم، ونافذةً يفتحها على العالم الأدبي. بجهده الحثيث في التواصل مع النقاد والمؤسسات الثقافية، منح نصوص الأسرى فرصة أن تُقرأ بجدّية، وأن تُناقش كأدبٍ له مكانته وقيمته، لا كرسائل من داخل القيد. لقد كان حسن عبادي، في صمته وفعله، شريكًا في صناعة حريتهم المعنوية، جعلهم يشعرون بأن الكلمة ما زالت قادرة على الحركة، وأنهم ما زالوا أحياء في المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي.

ويُختتم الكتاب بمقالات نقدية وفكرية تشبه ممرات ضوء في نهاية النفق، يتأمل فيها الناقد معنى الكتابة في زمن القيد، ومعنى الحرية حين تُصبح فعلًا لغويًا قبل أن تكون واقعًا. إنها مقالات تمنح القارئ يقينًا بأن الأدب الفلسطيني، لا سيما أدب الحركة الأسيرة، لا يُكتب بالحبر فقط، بل بنبضٍ عاش التجربة وشهد خلاصها.

في النهاية، يذكّرنا كتاب “الأسوار والكلمات” أن الحرية لا تبدأ من المفتاح بل من الكلمة. وأن هناك حبرًا إن لامس الجدار جعله نافذة. فالكلمات تتسلق الأسوار نحو الحرية قبل صاحبها.

شاهد أيضاً

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يهنئ نظيره الجزائري عبد المجيد تبون بعيد الثورة الجزائرية المجيدة

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يهنئ نظيره الجزائري عبد المجيد تبون بعيد الثورة الجزائرية المجيدة

شفا – هنأ رئيس دولة فلسطين محمود عباس، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبد المجيد …