
نحو انقاذ بعض مما تبقى لنا في القدس !!! بقلم : د. غسان عبد الله
بداية، لنتفق على الرأي السديد الذي يقول: لن يبنى مستقبل القدس خاصة، والوطن والبشرية عامة على الشرذمة والفئوية والكراهية الناجمة عن الجهل، متناسين أن الحرية المنشودة تبدأ حين ينتهي الجهل .
تلتقي جميع الديانات السماوية والمنطلقات الفكرية، على أن الأخلاق هي السمة الأساسية للانسان ” انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وعليه فمن حسنت أخلاقه حسن دينه.أولى ركائز الأخلاق كظم الغيظ والقدرة على العفو عند المقدرة، بهذا نضمن نوعا ما العيش بتفاهم وأمان .
بكل أسف، نرى اليوم أن التعليم الرسمي قد أهمل ما ورد أعلاه عند البدء في تربية وتعليم الطفل.
تناولنا في مقالات سابقة الوضع الاّخذ بالانزلاق نحو الهاوية للتربية والتعليم الذي نريد في القدس، مؤكدين على عدم السماح بخسارة معركة التربية والتعليم والثقافة وان كنا قد خسرنا، نوعا ما ومؤقتا، المعركة السياسية. جاء هذا من خلال بدء فرط المسبحة التربوية التعليمية عبر الاغراءات المادية وبيع الوهم للطلبة وأولياء أمورهم، ناهيك عن اذكاء الصراعات الداخلية مما نتج عنه تلاشي دور قلاع تربوية مقدسية تاريخية، مع محاصرة البعض الاّخر منها للحد من دورها أولا ثم اجهاضها لاحقا كي لا تنجز الدور المنشود، وللأسف بمشاركة أياد مقدسية عربية. كل هذا بسبب غياب رؤية تربوية تعليمية واضحة تحدّد أدوار مكونات المجتمع ككل، وقد ينطبق هذا القول على القطاعات الأخرى ( اقتصادية، اجتماعية، بيئية……الخ
مع ذلك يبقى الأمل قائما ، بأن الأرض التي أنبتت قامات وقلاع تربوية مقدسية عبر فترات تاريخية قد تكون أشد حلكة وظلاما مما نحن فيه اليوم، تبقى قادرة على اعادة تصويب البوصلة لانجاز هذا الامل المنشود،وذلك من خلال ارادة واستراتيجية تربوية عتيدة، يمكننا اعادة العصر الذهبي للتربية والتعليم في القدس وباقي محافظات الوطن من خلال :-
⦁ تفعيل دور الأسرة وبناء علاقات تعاون متداخلة بينها وبين المدرسة، اذ لا يمكن فصل العلاقة الترابطية المتداخلة (Correlation) بينهما. تكمن الركيزة الاولى في هذا الجانب من خلال ضمان الاستقرار الأسري المتوازن، ليس فقط على الصعيد المادي، بل وأيضا السيكولوجي والاجتماعي من خلال توزيع الأدوار والمهام ، مما يعزّز من قيمة الشراكة المسؤولة عملا لا مجرد قولا. قد يكون ذلك عبربناء علاقات ودّية ،أولا داخل العائلة، تقوم على التسامح،الذي هو أسلوب حياة من شأنه تحقيق الشعور بالسلم الداخلي لافراد العائلة وبالتالي ازالة مشاعر الغضب والكراهية وتعزيز قيم الاختلاف وتقبل الرؤى الأخرى،من خلال تعزيز مهارات الاصغاء النشط لفهم الاّخر، التحث بصراحة وهدوء، ممارسة فن الاعتذار والتعلم من الأخطاء.
أيضا،من الأهمية بمكان استقبالهم، عند العودة بكل ترحاب وبابتسامة غير مبالغ بها مع تجنب التعزير واستبداله بالتعزيز لكل ما هو ايجابي دون قصر هذا على العلامات المدرسية،( مساعدته لزميله،مشاركته بأعمال مجتمعية تطوعية كقطف الزيتون، مساعدة كبار/ صغار السن.) ولتحرص الأسرة على أن يكون المنزل نظيفا وبأجمل ما يكون( طبعا، أعمال الترتيب هذه خلال وجود الأبناء في المدرسة).
⦁ دور المدرسة كمصدر تنوير وتهيئة للمستقبل العتيد :-
كي تبدأ المدرسة في تأدية دورها بشكل ايجابي، على الأسرة أن تحرص على عدم ذهاب الأبناء الى المدرسة وهم في حالة غضب وكراهية وتوتر، لندربهم على مهارة وأهمية صنع البسمة للأمور مع التركيز والانتباه بدون افراط . يكون ذلك من خلال الشرح والتبيان و توضيح الأسباب والنتائج المتوخاة،وتعزيز المواقف الايجابية، وتجنب الصراخ والشتائم،والابتعاد عن استعمال الفاظ سلبية من شأنها ايجاد نمط تفكير سلبي لدى الطالب/ة، او اللجوء الى اسلوب الحرمان كعقاب لسلوك غير مقبول، وتوظيف مهارات وأسس تعديل الساوك، كل هذا بهدف جعل المدرسة حاضنة دافئة لتنمية المشاعر الايجابية نحو ذاته ونحو الاّخرين،وبالتالي أن ينهل المزيد من القيم والمهارات والمعارف كما أسلفنا سابقا، هذه هي المدرسة المقدسية التي نريد والتي تعتمد أسلوب التعلم والتعليم التفاعلي القائم على التحفيز والمشاركة،و لتكون أنموذجا لمدارس الوطن الحبيب .
من الأهمية بمكان، أن يعي طاقم المدرسة، وهم يؤدون رسالتهم التربوية التعليمية، أن هؤلاء الطلبة هم أمانة تم ايداعها لديهم، وبالتالي،يتوجب العمل بكل عزيمة وارادة،دون تطفيف،لزراعة وغرس القيم والأخلاق والمحبة في نفوسهم، وتنمية المهارات لضمان تحصيل المعرفة وتطبيقاه عمليا قدر المستطاع.
عودة الى ما يجري هذه الأيام في بعض مدارس قدسنا،
وفق ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي حديثا، وبعضوسائل الاعلام، وقعت حالات يندى له الجبين في بعض من مدارس القدس الخاصة، وكأن القدس بحاجة الى المزيد من البلاوي وخيبات الأمل، على المستوى التربوي التعليمي والذي قد ينعكس على السلم الأهلي في القدس ، والوضع الاجتماعي و الاقتصادي
بشكل مختصر، العنف – العدوان ( بكل أشكاله) ووفق رؤية الكاتب هو عمل – فعل، سلوك ، نجم عن فشل في التعامل مع الاّخر.
لا أريد تكرار ما كنت قد نشرته سابقا تحت عنوان ” مصيدة العسل” اّذار 2025. وما تبع ذلك من ردود وحوارات. سيتم التركيز هنا على حالة مقيتة تسود في المجتمع المقدسي عامة وبعض المدارس خاصة، ، ألا وهي حالات العنف ( بكل أنواعه) وسلوك التنمر وسط الطلبة اليافعين ومن هم في سن المراهقة – ذكورا واناثا-، والتي بعضها ،تطال للأسف كافة أضلاع المثلث التربوي – الطلبة ، الادارة وأفراد من طاقم التدريس، وأحيانا تورط أولياء أمور. في الوقت الذي نفخر به بدور غالبية مدارس القدس ، نتحدث هنا عن ما جرى في مدرستين من المدارس الخاصة، احداها يثبت التاريخ أنها قلعة من قلاع القدس التربوية الأصيلة، والثانية تصنف على أنها مدرسة لأبناء الطبقة الميسورة، أما الحالة الثالثة فتعود الى ما جرى بين الطلبة مؤخرا حيث تم اللجوء الى استعمال أدوات حادّة، الأمر الذي تطلب تدخل قوات رسمية من خارج المدرسة( ما جرى في احدى مدارس بيت حنينا التي تعود ادارتها الى سلطة الأمر الواقع بالقوة).
قبل الغوص في المسببات واقتراح أليات للخروج من هذا الواقع المزري والمتكرر، أرى لزاما الرجوع الى عام 1995/حيث عقدنا في مركز الدراسات والتطبيقات التربوية CARE مؤتمرا تربويا تتويجا لسلسة الدورات التي عقدناها في كافة محفظات الوطن الجنوبية والشمالية برعاية معالي وزير التربية والتعليم اّنذاك المرحوم ياسر عمرو- أبو ثائر وبمشاركة مجموعة من الخبراء التربويين ،وذلك في قاعة بلدية البيرة.وكذلك المؤتمر التربوي التعليمي الأخير( اواسط اّب 2025) تحت عنوان ” أي تربية وتعليم نريد للقدس وفي القدس وعن القدس” بمشاركة ثلة من التريويين وأولياء الأمور( الغالبية العظمى منهم مقدسيين/ مقدسيات)، حيث افتتح المؤتمر سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري، اما وخطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الاسلامية العليا، تلاه معاالي الأخ الدكتور أمجد برهم وزير التربية والتعليم العالي.
اليوم ،قد يختلف الكاتب هنا مع قول المربي الفلسطيني المرحوم خليل السكاكيني، حين سأل : الى أين أنت ذاهب يا بني؟ الطالب: الى المدرسة, ماذا تتعلم فيها ؟ الطالب: القراءة والكتابة والحساب ودروسا أخرى . قديكون أن السكاكيني في عهده، قد أوكل مهمة التربية والتنشئة السليمة الى الأسرة، وهذا فعلا ما كان يتم. لو عاش السكاكيني معنا اليوم ورأى اضمحلال دور الأسرة في التربية والتنشئة، نظرا لعدة أمور، نذكرها بعجالة وليس من باب التبرير:
- تحول نمط العائلة من عائلة ممتدة الى عائلة نووية، حيث في الأولى كان الكل يساهم في تعزيز قيم المودة والتعاضد، أما اليوم، وللأسف نرى حالات التفكك ومحدودية التفاعل الاجتماعي بين الأسر،- سواء ذوي القربي أو حتى الجيران.
- الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية، التي تترك أثارا عديدة عل افراد المجتمع .
- تنوع وتعدد الهويات والأنظمة التعليمية المعمول بها، خاصة في القدس
- تعدد أشكال وأنماط الغزو الثقافي الذي يعيشه المجتمع المقدسي، كبقية المجتمعات البشرية الأخرى، سواء من خلال الاعلام( بكل أنماطه المرئي،المسموع أو المكتوب، الرسمي منه والخاص، ناهيك عن تنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي تحت مسميات مختلفة.
- تعاطي المخدرات من قبل البالغين وانعكاس ذلك على اليافعين، الأمر الذي أدى الى ايجاد نمط جديد من هذه المخدرات نسميه في علم النفس السلوكي بالمخدرات الرقمية( digital drugs ) وما ينجم عنها من محاولات عنف (aggression ) وادمان (addiction ) أو اكتئاب( depression ) بسبب الميل الى تقليد ومحاكاة ما يشاهدوه أو سيمعونه.
أضف لذلك عوامل أخرى لا يتسع المجال لذكرها لأسباب فنيّة او بسبب الوضع السياسي الظالم القائم
في ظل هذا الوضع المزري، لا بد من البحث عن خطوات عملية قابلة للتطبيق والتقييم والتقويم، تجدونها بالتفصيل في كتابي وقائع المؤتمرين المذكورين أعلاه، علما بأنه يتم توزيعهما مجانا على المدارس والمؤسسات والأشخاص المهتمين.
ندرك جميعا واقع مفهوم ” العين بصيرة واليد قصيرة ” بحكم ممارسة سياسة قمعية تفرضها سلطات الأمر الواقع، ولكن ورغم تذويت بعض صانعي القرار لهذا الفهم والتستر خلفه، نأمل من خلال ما ورد أعلاه والاقنراح العملي الأتي ، لفتح ليس فقط نوا فذ بل وأبوابا ، أمام ممارسة التربية والتعليم من أجل التحرر واحداث التنمية المستدامة،بدلا من مواصلة التعود والاعتياد على القبول بذاك الفهم الذي يعمل على استمرار الالستعباد والتبعية والالحاق
بشكل سريع، نتناول هنا ضرورة:-
⦁ التركيز على ألأسس الدينية العقائدية في التدريس، من خلال تكثيف وزيادة حصص التربية الدينية كتعليم الزامي، في كل المراحل بدءا من الروضة حتى التخرج من المدرسة والالتحاق باتعليم الجامعي. كما يتوجب تكثيف احياء المناسبات الدينية في المدرسة وبشراكة مسؤولة من الطلبة وذويهم، فالطالب المقدسي ليس بحاجة الى زيادة البياع ( بخشيش) 5 علامات على معدل التوجيهي، بقدر ما هو بحاجة الى توفير كل ما يمكن توفيره لصقل شخصيته وتعزيز قيم التعددية والاختلاف وقيم العطاء والتسامح لديه، من خلال التركيز عل نهج لغة الحوار كأسلوب حياة.
⦁ للأسرة دور هام من خلال أن تكون القدوة في تطبيق ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله، كي يتسلح للطالب بمهارات عملية تمكنه من تجسيد التكافل والتعاضد الاجتماعي بدلا من التنمر واستخدام العنف والاساليب العدوانية كما نشهد وللأسف .
⦁ نظرا للوضع السياسي القائم والذي يحدّ بل ويمنع السلطة الوطنية الفلسطينية من ممارسة دورها في القدس ( رغم المحاولات ) هناك ضرورة للتفكير ببناء المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم في القدس، ليعمل بشكل جماعي وحدوي ، يضم فعاليات رسمية (وزارة الأوقاف والمقدسات، مجلس الافتاء الأعلى، دائرة الأوقاف-مديرية التربية والتعليم،دائرة الوعظ والارشاد، أو غير الرسمية : الهيئة الاسلامية العليا، اتحاد المعلمين الفلسطينين،اتحاد الكتاب الفلسطينين ،اتحاد الجمعيات الخيرية،جمعية تنظيم وحماية الأسرة،جمعية الهلال الأحمر،جمعية المقاصد الخيرية،مؤسسة كاريتاس، مجلس الكنائس في الشرق الأوسط – مكتب القدس،الاتحاد العام لنقابات العمال، الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية،الاتحاد العام لطلبة فلسطين،جامعة القدس،جمعية برج اللقلق،مءسة النيزك،ايليا للاعلام الشبابي،جمعية الدراسات العربية،يبوس للثقافة،لجنة التراث المقدسية،مركزالاخاء الاسلامي المسيحي،مؤسسة فيصل الحسيني،المجلس الأعلى للسياحة،المؤسسة الفلسطينية للتدريب المهني، مجمع النقابت المهنية)، اتحاد مجالس أولياء الأمور، يتم عن هؤلاء تشكيل مجالس شعبية مناطقية لحماية التعليم ليس فقط في القدس درة التاج بل وفي كافة محافظات الوطن قاطبة)، من أجل ليس فقط حماية العملية التربوية التعليمية من أية محاولات للعابثين والخارجين عن النهج الأخلاقي القويم، اذ لايعقل ان نبقى نعتقد بأن ما يجري هو مجرد هفوة أو صدفة، على العكس هناك من يعمل بكل ما أوتي من قوة وقدرات على تدمير المؤسسة التربوية التعليمية في القدس وغيرها ، والأدلة كثيرة تم تناولها في مقالات منشورة سابقا،
أيضا ، يكون على عاتقه بناء وتطوير خطط تربوية تنموية تستجيب لاحتاجات القدس وبقية المحافظات، ولعل أهمها خطط وبرامج تعليم مهني وتكنولوجي،
أملين بهذا أن نخطوا الخطوة الأولى نحو انقاذ التربية والتعليم والبدء بالتحرر من أنياب التبعية والالحاق عبر غسل الأدمغة بهدف طمس الهوية الوطنية، فلنعمل وبشكل جماعي ووحدوي لتعزيز الانتماء والهوية الوطنية عبر أهم قناة فاعلة، ألا وهي المؤسسة التربوية التعليمية .
في الختام ، نأمل أن يخضع هذا الاقتراح الى حالات من الحوار البناء لتطويره وبدء العمل به، حتى لا تردد الأجيال القادمة ” سبق السيف العذل” .- – غسان عبد الله -القدس
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .