12:01 مساءً / 1 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

الحرب في السودان : قصة أم سودانية عالقة هي وأطفالها بين صراعين ، بقلم : د. دانييلا القرعان

الحرب في السودان : قصة أم سودانية عالقة هي وأطفالها بين صراعين ، بقلم : د. دانييلا القرعان

عندما ظهرت الأم السودانية وهي تتوسّل بكلتا يديها إلى حُثالة الجنجويد أن يكفّوا عن إطلاق الرصاص ، ربما كان صوته يثير الرعب في قلوب صغارها، وربما تخشى عليهم وعلى نفسها أن تُصيبهم رصاصة طائشة. تتّقي الرصاص وصغارها بيدٍ، وبالأخرى تُغطي عيني صغيرها، وتضمّ الآخر إلى صدرها كي لا يُبصر مقتلها، أو مقتل إخوته، قبل أن يلحق بهم — لا محالة. طلقات رصاصٍ متتالية، من مجرمين قساةٍ غُذّوا بالسُّحت، يُمولهم مجرمٌ وضيع، كلما أراد أن يرتفع ويُبيّض وجه جرائمه، وضعه الله وأسوَدّ وجهه. يُكررون فعلتهم، وتُكرر هي فعلها، وهي تضمّهم كأفراخ طيرٍ صغيرةٍ مرتعشة، لا تعرف — ولا يعرفون — أيَّ جرمٍ اقترفوه، غير أن خَسيسًا طَمِع في نهب خيرات بلادهم.

والله مازالت هذه اللقطة لم تغادر ذهني، عيناها تراقبان القاتل تبحثان عن الأمان، بينما قلبها يرتجف من فكرة أن تفقد أحد أولادها، الخوف يسكنها ليس خوفًا على نفسها بل على أولادها الصغار الذين يرون فيها وطنهم الأول والأخير. عالقة هي وأطفالها بين صراعين، صراع الموت المؤكد، وصراع اطفالها الصغار، ووجع الموت عليهم. ما أصعب هذا الصراع أمام أم لا تملك لنفسها الا فقط الاستسلام، لعلها ترى أطفالها مرة أخرى في الجنة المؤكدة حيث لا حرب ولا قتل ولا حزن ولا استسلام. الأم السودانية كل نبضة من قلبها دعاء وكل دمعة تنحدر من عينيها صلاة ألا يمسّهم الأذى. في تلك اللحظة المحزنة باتت تشعر بأن الموت يقترب منهم فتضمهم إلى صدرها كأنها تحاول أن تخفيهم عن العالم المخيف، عن القدر وعن الرعب هي تعرف أن لا قوة لها أمام الموت. تنظر هنا وهناك تحاول أن تسرق نظراتها الأخيرة بطلا ما، جاء على حصانه الأبيض يحاول انقاضها وانقاض فلذة كبدها، لكن جاءت اللحظة الحاسمة. يا له من زمن ظالم، أيقاتل العربي أخاه العربي، بل ويتفنن في قتله!؟

مجرمٌ يطلق الرصاص ويتضاحك في سخريةٍ، بحقدٍ وكراهيةٍ غير مفهومين، وربما كبَّر تكبيرةَ خاتمةٍ تُخبرك — بلسان الصدق والحال — عن حقيقة نوع الإسلام الذي يدين به حُثالة من المرتزقة والأفاكين، وإنْ أخبر لسانُ مقالِهم أنهم دعاةُ إسلامِ سِلمٍ ومحبّةٍ. ينتهي الفيديو، ولا أعرف مصير الأم ولا أطفالها. غير أن القصص تحكي عن أرقامٍ مُفزعةٍ لنساءٍ وأطفالٍ وأبرياءَ قضَوا بالطريقة نفسها.

ما أشبه الأمس باليوم، كنا نتحدث عن الأم الفلسطينية الصابرة، والتي أصبح صبرها نموذج ومدرسة للجميع، أصبحنا الآن أمام الأم السودانية والتي أصبح صبرها وجع وغصة، وهي ترى اخوتها العرب يقتلونها ويقتلون أطفالها. ما أصعب الأمس وما أصعب اليوم، الأم الفلسطينية والام السودانية كلاكما رمزًا للفخر والاعتزاز والحرية، افرحي أيتها الأم فأبنائك شهداء احياء عند الله، وهو الاحن والاكثر عدلا من هذه الأرض، أعلم جيدًا أن هذه الكلمات لا تسعف وجعك وألمك، ولكن ما في اليد حيلة…

لقد اعتدنا ونحن صغار إلى أن كبرنا أن أكبر عدو لنا هو العدو الإسرائيلي في عدوانه على أهلنا في فلسطين وقطاع غزة،وما زال يمارس ظلمه وقتله وتشريده، ولكن ظهر لنا ما هو أشد وطأة وظلمًا منه، وهو العدو العربي، ياه ما أصعب هذه العبارة العدو العربي. سمعت أمًا سودانية تبكي بحرقة وتقول : “قـتـلوا زوجي وكل أولادي، ولم يقتـلوني معهم، لقد تركوني أعاني لوحدي ياريت لو تقتـلوني معهم” وعبارة أخرى أقولها أنا : “للأسف تم قتـل أمك ياصغيري”

تحدثوا عن السودان أيها العرب المسلمين؛ لأن الصمت ليس حيادًا، بل وقوف مع الظالم. لماذا السودان لا يتصدر العناوين؟ لكنه ينزف. هل السودان ليسوا بشرًا من الدرجة الثانية حتى يهون عليكم جوعهم، وتهون عليكم دماءهم إلى هذا الحد!

لا تكفوا عن الحديث عنهم حتى ينقشع البلاء ويرفع الله هذه الغمة.ما أصعب أن يكون أكثر ما يرجوه منك إخوانك في السودان منشور أو تغريدة، تنشر فيها عن مأساتهم، وتسلط الضوء على معاناتهم، حتى تصل إلى العالم، ثم تبخل عليهم بذلك؟ ما عذرك عند الله حين تمر عليك تلك المشاهد والصور التي يندى لها الجبين، ثم تشيح بوجهك عنها وكأنها لا تعنيك، وكأنهم ليسوا إخوانك؟ ألا تعلم أن ذلك من أضعف الإيمان وأن حقهم عليك أعظم من ذلك؟! ما سمعت بقوله ﷺ ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا في موطن يُنتقص فيه من عرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا خـذله الله تعالى في موطن يحب فيه نـصـرته.! فاحذر أن تكون ممن بلّدته كثرة مصائب إخوانه المسلمين، وأطفأت من قلبه حرارة الإيمان،حتى صار يرى المظلوم يُـقـتل فلا يهتز له جفن، ولا يتحرك له قلب. بل كن ممن يحيي الله بهم الضمائر، وشارك معاناة إخوانك حتى ولو بقيت وحدك، فإنما المؤمنون إخوة، والأخ لا يترك أخوه مهما حدث، ولكن اقول أن أسوء ما في الأمر أن المشهد أصبح مألوفًا للجميع.

أتساءل في نفسي: كيف لبلد حباه الله بثروات طبيعية هائلة وقدرات بشرية مذهلة، يفشل في بناء عاصمة تليق بتاريخ السودان وشعبه العظيم؟ هل تعلمون لماذا يريدون احتلال السودان؟ سأقول لكم:

لماذا السودان هدف للكـــيان العـــبري، مع أنها تضع بعض الدول المسلمة على الواجهة، حفاظًا على سمعتها؟

إليك أيها القارئ أبرز أرقام السودان الرسمية التي تجعلها ضمن أغنى دول العالم بـالثروات، و ما خفي أعظم :

200 مليون فدان هي المساحات الصالحة للزراعة، المزروع منها حالياً 64 مليون فدان فقط. 115 مليون فدان هي المراعي الطبيعية. يهطل على السودان 400 مليار متر مكعب سنويًا. يمتلك سادس أكبر ثروة حيوانية في العالم بحجم 130 ملايين رأس من المواشي. 42 ألف طن إجمالي إنتاج السودان من الأسماك سنويًا. احتياطي الذهب يقدر بـ 1550 طن. ثالث أكبر منتج في أفريقيا للمعدن النفيس بـ إنتاج 93 طن. احتياطيات الفضة تقدر بـ 1500 طن. 5 ملايين طن من النحاس.1.4 مليون طن من اليورانيوم. يستحوذ على 80% من الإنتاج العالمي للصمغ العربي الذي يدخل في 180 صناعة في القطاعات الغذائية والدوائية. يتم تهريب واحتكار 70% منه سنويًاا من قبل شركات محلية وعالمية. ينتج 39% من السمسم الأبيض في الإنتاج العالمي و 23% من السمسم الأحمر. وحين اشتغل رجل الأعمال “صالح الراجحي” في مشروع خيري عبر استثمار أراضي سودانية لـزراعة الارز و باع طنّ الارز للسودانيين بـِ 70$ في وقت كانوا يستوردونه بـِ 320 دولار.. تمّ ايقاف المشروع !

فـهذه كلها أسباب تجعلها هدف للكــيان العبري، وامريكا محراك الشر، لكن بـأيادي عربية ملطّخة بدماء السودانيين.

تحدثوا أيها العرب، تحدثوا عن السودان؛ لأن الصمت ليس حيادًا، بل وقوف مع الظالم. السودان لا يتصدر العناوين، لكنه ينزف.

الفاشر ينزف

أنقذوا الفاشر

أنقذوا السودان

شاهد أيضاً

الصين تعزز القدرة المركبة لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة

الصين تعزز القدرة المركبة لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة

شفا – قالت الهيئة الوطنية الصينية للطاقة يوم الجمعة الماضي إن البلاد بذلت قصارى جهدها …