11:57 صباحًا / 1 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

دعم السلطة الفلسطينية ضرورة وطنية لحماية الصمود الفلسطيني ، بقلم : البروفيسور الدكتور جمال حرفوش

دعم السلطة الفلسطينية ضرورة وطنية لحماية الصمود الفلسطيني ، بقلم : البروفيسور الدكتور جمال حرفوش

دعم السلطة الفلسطينية ضرورة وطنية لحماية الصمود الفلسطيني ، بقلم : البروفيسور الدكتور جمال حرفوش

أولاً: تمهيد قانوني وسياسي

في ميزان الدولة الحديثة، تُعدّ السلطة الوطنية الفلسطينية الإطار القانوني والمؤسسي الذي يعبّر عن الشخصية الاعتبارية للشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية. فهي ليست حزباً ولا فصيلاً، بل الكيان الإداري والسياسي الذي يحمل الاعتراف الدولي ويمثّل الهوية القانونية لفلسطين بموجب اتفاقيات ومعاهدات رسمية، وعلى رأسها اتفاقية أوسلو وما تلاها من قرارات دولية.


إنّ الطعن في شرعية السلطة أو التشكيك في دورها يُضعف الموقف القانوني والسياسي للشعب الفلسطيني أمام العالم، تماماً كما يُضعف التشكيك في أي حكومة معترف بها دولياً قدرة تلك الدولة على إدارة شؤونها والتعامل مع المجتمع الدولي.

ثانياً: تشبيه اجتماعي عميق – “السلطة كإبنة البيت”

كما قال المثل الشعبي: “البنت إذا طُعنت في شرفها، تبقى بايرة ولن يدقّ بابها أحد.”
وهكذا هي السلطة الفلسطينية — بنت البيت الفلسطيني — إن طعنّا في سمعتها أمام العالم، فإن أحداً لن يمدّ لها يد العون. فالثقة الدولية ليست عملاً عاطفياً، بل هي استثمار سياسي واقتصادي مبني على السمعة والاستقرار.
إذا شاعت الصورة بأن السلطة منقسمة، ضعيفة، أو فاقدة للدعم الشعبي، فإنّ الدول المانحة والمؤسسات الدولية تحجم عن تقديم المساعدات أو توقيع الاتفاقات خشية ضياع الموارد أو انعدام الاستقرار.
ومن هنا فإنّ تمجيد السلطة الفلسطينية ليس نفاقاً بل واجب وطني، لأنه يحمي سمعة البيت الفلسطيني، تماماً كما يحمي الأب سمعة ابنته أمام الناس ليصون كرامتها وكرامة العائلة.

ثالثاً: البعد الاقتصادي والإداري

لا يمكن لأي سلطة أن تدفع رواتب موظفيها، أو تفي بالتزاماتها تجاه التعليم والصحة والبنية التحتية، إذا كانت محاصَرة شعبياً قبل أن تُحاصَر مالياً.


السلطة تحتاج إلى دعم داخلي من المواطن كما تحتاج إلى دعم خارجي من المجتمع الدولي.
وكلما زاد التفاعل الإيجابي بين الشعب والسلطة، كلما استطاعت الأخيرة أن تقف بثبات أمام الأزمات المالية والسياسية، وأن تحافظ على استمرارية الحياة اليومية لملايين الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس.


فالسياسة ليست شعارات، بل فنّ إدارة الممكن وتوازن العلاقات. ومن دون احترام السلطة الفلسطينية كمرجعية قانونية، لن يكون هناك أي استقرار أو تقدم اقتصادي.

رابعاً: الانقسام – العثرة الكبرى أمام النهوض الوطني

من أخطر ما يهدد البيت الفلسطيني هو الانقسام السياسي الذي شطر الوطن إلى سلطتين وسياستين وخطابين.
هذا الانقسام لم يضعف فقط الجبهة الداخلية، بل جعل القضية الفلسطينية مادة للمزايدات الإقليمية والدينية، وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية تحت عناوين “الدعم” أو “الوساطة”.


لقد آن الأوان لأن ندرك أن العالم لا ينتظر من الفلسطينيين خطباً دينية أو صراعات فصائلية، بل ينتظر مؤسسة سياسية موحدة قادرة على الإدارة والحوار والالتزام بالقانون الدولي.


وكلما استمرّ الخطاب التحريضي والديني المتشدد، ابتعدنا أكثر عن لغة الدبلوماسية والعصر، وتضاءلت قدرتنا على جذب الدعم المالي والسياسي الذي تحتاجه السلطة للحفاظ على صمود الشعب.

خامساً: دعوة وطنية شاملة

اليوم، الوقوف مع السلطة الفلسطينية ليس خياراً سياسياً، بل ضرورة وطنية وأخلاقية.


نحن بحاجة إلى خطاب وحدوي، عقلاني، قانوني، واقعي — لا إلى خطب منابر تُقسّمنا باسم الحق والباطل.
فالعالم لا يهمه من “على ضلالة أو على هدى”، بل يريد أن يرى شعباً قادراً على إدارة ذاته، وحكومة تحظى باحترام أبنائها قبل احترام الآخرين.


حين نرفع من شأن السلطة، نرفع من شأن فلسطين كلها. وحين نحافظ على هيبتها، نحافظ على كرامة المواطن الفلسطيني في كل مكان.


السلطة هي الإطار الوحيد الذي يمكنه التفاوض، التوقيع، بناء المؤسسات، وإدارة العلاقات الخارجية. فإذا سقط هذا الإطار، سقطت معه قدرة الفلسطينيين على حماية مشروعهم الوطني.

إنّ من يظن أن إضعاف السلطة هو انتصار للوطن، يجهل أبجديات الدولة والسياسة. فالدولة لا تُبنى على الهدم، بل على التماسك والثقة والتكامل.


لذلك، واجبنا جميعاً أن نحافظ على سمعة السلطة الفلسطينية كما نحافظ على شرف البيت وكرامته، لأن من يضرب في شرعية بيته، لا يلومنّ إن بقي بلا سند ولا مستقبل.


فلسطين تحتاج اليوم إلى عقل الدولة لا إلى فوضى الشعارات.


ومن هنا، فإنّ دعم السلطة الفلسطينية هو الطريق الوحيد لضمان صمود الشعب وحماية الحلم الوطني.

  • – البروفيسور الدكتور جمال حرفوش
    Ad maiora semper

شاهد أيضاً

الصين تلتمس آراء العامة بشأن صياغة مسودة الخطة الخمسية الـ15

الصين تلتمس آراء العامة بشأن صياغة مسودة الخطة الخمسية الـ15

شفا – أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، أعلى هيئة للتخطيط الاقتصادي في الصين، يوم الجمعة …