
محافظة سلفيت … ، الجبل والزيتون والنبع ،، مهد السياحة الريفية والشاليهات الفلسطينية ، بقلم : د. عمر السلخي
تمتاز محافظة سلفيت بطبيعة جبلية ساحرة تجمع بين وعورة التضاريس ونعومة المشهد، حيث تتعانق التلال والوديان وتتوزع الكهوف والينابيع والمقامات والخرب في لوحة خلابة تعكس عمق الجمال الفلسطيني الأصيل، هذه الخصائص الفريدة تجعل من محافظة سلفيت إحدى أكثر المناطق ملاءمة لإنشاء الشاليهات السياحية والمشاريع الترفيهية الريفية، في إطار تنشيط السياحة الداخلية وتعزيز التنمية المحلية المستدامة.
طبيعة جبلية تستدرج العيون والقلوب
تتربع محافظة سلفيت على سفوح جبالٍ متوسطة الارتفاع، مطلة على السهل الساحلي الفلسطيني من جهة الغرب، ومحاطة بكروم الزيتون الممتدة كعباءة خضراء تغطي معظم أراضيها، هذا المشهد الطبيعي المتنوع يمنح الزائر تجربة بصرية وروحية نادرة، تجمع بين الهدوء الريفي والنقاء البيئي والهواء العليل.
الكهوف الطبيعية والمقامات الدينية والمواقع التاريخية المنتشرة في بلداتها وقراها تمثل إرثًا جيولوجيًا وتاريخيًا يمكن تحويله إلى مسارات سياحية تعليمية أو مواقع جذب بيئي ضمن مشاريع الشاليهات والمنتجعات الجبلية.
ينابيع الماء والعيون… قلب الحياة
تشتهر محافظة سلفيت منذ القدم بعيونها العذبة وينابيعها التي لا تنضب، فمدينة سلفيت تعرف ببلدة ٩٩ نبع ، وكذلك تنتشر العيون والينابيع في معظم بلدات وقرى المحافظة مثل عيون الزاوية وغيون واد قانا في ديراستيا، وعين كفر الديك، هذه العيون كانت مصدر الحياة لأهل المنطقة، ويمكن اليوم أن تكون ركيزة جمالية وخدمية لمشاريع السياحة الداخلية، تضيف إلى الشاليهات طابعًا طبيعيًا وبيئيًا فريدًا.
كروم الزيتون… هوية المكان
ليس غريبًا أن تُعرف محافظة سلفيت بأنها “محافظة الزيتون ”، إذ تغطي أشجار الزيتون نحو 70% من أراضيها الزراعية. وجود هذه الكروم يمنح الزائر شعورًا بالانتماء للأرض، كما يشكل عامل جذب للسياحة الزراعية ، حيث يمكن دمج تجربة الإقامة في الشاليه مع قطف الزيتون أو عصره في المعاصر .
تجارب نجاح ملهمة في القرى
برزت في السنوات الأخيرة تجارب ناجحة في إنشاء شاليهات سياحية في بلدات الزاوية، كفر الديك، كفل حارس، وفرخة، حيث استطاع أصحابها أن يحاكوا الطبيعة بتصميمات حجرية وجبلية منسجمة مع المحيط، ومزوّدة بخدمات الإقامة الهادئة والنوم المريح والحدائق والمسابح والمرافق الترفيهية ، هذه المشاريع أصبحت مقصداً للعائلات والشباب من مختلف محافظات الوطن، وأسهمت في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل جديدة، مما يؤكد قابلية محافظة سلفيت للتحول إلى وجهة رئيسية للسياحة الداخلية الفلسطينية.
نحو تنمية سياحية مستدامة
لتتحول محافظة سلفيت إلى مركز سياحي داخلي رائد، لا بد من رؤية تخطيطية متكاملة تشمل:
تشجيع المستثمرين المحليين على بناء شاليهات بيئية متناسقة مع طبيعة المكان.
ربط مواقع الشاليهات بالمسارات الجبلية والعيون التاريخية.
تطوير بنية تحتية ذكية (طرق، كهرباء، إنارة، إنترنت) تخدم الزوار دون الإضرار بالبيئة.
إطلاق حملات ترويجية تحمل هوية “محافظة سلفيت الخضراء.. روح فلسطين الجبلية”.
نحو “مسار الشاليهات الريفي” في محافظة سلفيت
انطلاقًا من هذه المقومات البيئية والسياحية الغنية، يمكن لمحافظة سلفيت أن تتبنى مبادرة نوعية بعنوان “مسار الشاليهات الريفي”، وهو مشروع متكامل يربط بين القرى التي تحتوي على شاليهات ومواقع طبيعية خلابة ،يهدف هذا المسار إلى:
تنظيم السياحة الداخلية عبر مسار محدد يشجع الزوار على التنقل بين المناطق الجبلية والعيون والكروم.
تحفيز الاستثمار الريفي من خلال تشجيع إقامة مشاريع شاليهات جديدة ومرافق ضيافة متكاملة.
تسويق المنتجات المحلية كزيت الزيتون والعسل والصابون البلدي ضمن تجربة سياحية متكاملة.
تعزيز الهوية البيئية عبر اعتماد العمارة الحجرية والخضراء في جميع منشآت المسار.
إن “مسار الشاليهات الريفي” لا يمثل مجرد فكرة سياحية، بل هو رؤية تنموية متكاملة تسعى إلى تحويل محافظة سلفيت من منطقة عبور إلى وجهة إقامة واستجمام، تجمع بين الجمال الطبيعي والتراث الريفي والاقتصاد المحلي المزدهر.
محافظة سلفيت اليوم مؤهلة لأن تكون مركز السياحة الجبلية في فلسطين، ومقصداً لكل من يبحث عن الهدوء والهواء النقي والارتباط بالأرض.