7:27 مساءً / 12 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

وجهُ الذاكرةِ … حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين ، بقلم: رانية مرجية

وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين ، بقلم: رانية مرجية

وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين ، بقلم: رانية مرجية

في قصيدتها الجديدة «وجهُ الذاكرةِ»، تفتح الشاعرة حياة قالوش بابًا سريًّا إلى عالمٍ لا تُقاس فيه المسافة بالوقت، بل بالنبض.

هي لا تكتب عن الغياب فحسب، بل تُقيم حوارًا بين الذاكرة والحضور، بين الخسارة والدهشة، بين الحب الذي مضى والحياة التي ما زالت تنبض به.

منذ المطلع:

«أتركُ الحرفَ اليومَ ينبضُ خارجَ قيودِ الإيقاع»

تعلن الشاعرة تمرّدها على النمط الشعري المألوف، لتكتب نصًا حرًّا لا يخضع للموسيقى الخارجية، بل يُغنّي بإيقاع القلب.

إنها قصيدة تتنفس كما يتنفس الحنين، تتلعثم وتضيء، تتألم وتزهر في اللحظة نفسها.

الذاكرة ككائنٍ حيٍّ لا يموت

في عالم حياة قالوش، الذاكرة ليست حكاية تُروى، بل كائنٌ حيّ يسكننا ويستيقظ كلما ناديناه.

حين تقول:

«فما من بابٍ نغلقُه في وجهِ الذّاكرةِ،
وما من وداعٍ يُطفئُ ملامحَ الّذين يسكنوننا…»

فهي تُدرك أن النسيان وهمٌ، وأنّ الوداع ليس نهاية بل طريقٌ خفيٌّ للقاءٍ جديد.

الذاكرة عندها وطنٌ نُقيم فيه بقلوبنا، لا يمكننا أن نغادره حتى وإن غادرناه جسديًا.

الأنثى بين ضجر التراب وفرح السماء

«أيا رجلًا آتيًا من فرحِ السّماءِ
وأنا الهاربةُ من ضجرِ التّراب.»

في هذا النداء تكشف الشاعرة عن ثنائيةٍ وجوديةٍ عميقة:

هي الأنثى الأرضية الباحثة عن خلاصها في رجلٍ قادمٍ من النور، من عالمٍ طاهرٍ لا يحدّه الغبار.

ليس الرجل هنا شخصًا بعينه، بل رمزٌ للسكينة، للمطلق، للمعنى الذي يشبه الله أو الحلم.

أما الأنثى فهي الكيان المرهق من التكرار، الباحث عن المعجزة.

بهذه المفارقة، تُعيد قالوش رسم خريطة العشق كجسرٍ بين الأرض والسماء، بين المحدود واللا محدود.

لغة الحواس… حين تتحول الذكرى إلى صلاة

«أسمعُ ضحكتَكَ كأنّها قطرةُ ماءٍ،
سقطت على نارِ الغيابِ،
فما أطفأتها،
بل أنبتت في القلبِ وردة.»

هنا تبلغ اللغة ذروتها الجمالية.

تتحول الحواس إلى أدوات نجاةٍ روحية؛ السمع والماء والنار والورد، جميعها رموز تُعيد ترتيب العالم الداخلي للشاعرة.

الضحكة لا تُطفئ، بل تُنبت — وهذا قلب المفارقة الشعرية:

من الألم يولد الجمال، ومن الغياب ينبع الوجود.

«أشمُّ أنفاسَكَ كأنّها صلاةٌ صامتةٌ،
تمشي على مرايا النّبضِ
وتزرعُ قبلةً.»

الصورة هنا تتجاوز الحنين إلى مستوى القداسة.

الحب يتحول إلى عبادةٍ بلا طقوس، إلى صلاةٍ تُقام في محراب القلب،

حيث الأنفاس تصبح تراتيل والقبلة وعدًا بالخلود.

الصمت… أبلغ من العتاب

«أما زلتَ تفهمُ عتابي حين لا أقول شيئًا
وأغلقُ البابَ برفق؟»

يا لها من جملة تفيض إنسانية!

الصمت هنا ليس هروبًا، بل لغة العارفين.

الرفق في إغلاق الباب يعني أن الشاعرة ما زالت تحب،

أنها لا تغلق الذاكرة، بل تؤجل اللقاء بصمتٍ ناضجٍ وحنينٍ كريم.

الوداع طريقٌ خفيّ للقاء

في ختام القصيدة، تتجاوز قالوش فكرة الفقد لتكتب فلسفة جديدة في الحب:

أن لا شيء ينتهي،

وأن اللقاء الحقيقي لا يحدث بالعين، بل بالذاكرة، بالحلم، بالنبضة التي لا تخطئ طريقها.

«الذّاكرةُ لا تموتُ،
والوداعُ طريقٌ خفيٌّ للقاءٍ جديد.»

كم هي جميلة هذه الجملة التي تُعيد ترتيب الزمن.

إنها تختصر التجربة الإنسانية كلّها:

لا غياب إلا ليكتمل الحضور، ولا وداع إلا ليتهيأ القلب للعودة.

خاتمة: الشعر كطريق للشفاء

قصيدة «وجهُ الذاكرةِ» ليست فقط عن الحب،

بل عن القدرة على النجاة بالحبّ من القسوة، وبالذاكرة من الفناء.

إنها كتابة امرأةٍ تعرف أن الجمال لا يُخلق من السعادة،

بل من الألم الذي تعلّم كيف يبتسم.

حياة قالوش في هذه القصيدة تُثبت أن الشعر ما زال قادرًا على أن يكون بيتًا للروح، وملجأً من الغياب، ومرآةً للإنسان في أصفى حالاته.

وَجهُ الذّاكرةِ

أتركُ الحرفَ اليومَ ينبضُ خارجَ قيودِ الإيقاع.

أيا رجلًا آتيًا من فرحِ السّماءِ
وأنا الهاربةُ من ضجرِ التّراب.

أسمعُ ضحكتَكَ
كأنّها قطرةُ ماءٍ،
سقطَت على نارِ الغيابِ،
فما أطفأتها،
بل أنبتت في القلبِ وردة.

أشمُّ أنفاسَكَ
كأنّها صلاةٌ صامتةٌ،
تمشي على مرايا النّبضِ
وتزرعُ قبلةً.

أيا رجلًا آتيًا من نضارةِ الزّهرِ
وأنا الهاربةُ بكامل هشاشتي
قيثارةً مدمنةً على
دفءِ أناملِ السّحابِ
لا شيءَ يشبهُك.
لا الدّهشةُ، ولا الرّعشةُ
ولا الحلمُ،
ولا الهواء.

أما زلتَ تحفظُ وجهي
حين كنتُ أبتسمُ،كي لا أبكي؟

أما زلتَ تفهمُ عتابي
حين لا أقول شيئًا
وأغلقُ البابَ برفق؟

اقترب…
اغسل حنيني برائحةِ اللّوزِ،
بالغيومِ الّتي تهمسُ للنّوافذِ،
وأنا أذوبُ في معناك.

فما من بابٍ نغلقُه في وجهِ الذّاكرةِ،
وما من وداعٍ يُطفئُ ملامحَ الّذين يسكنوننا…
الذّاكرةُ لا تموتُ،
والوداع طريقٌ خفيٌّ للقاءٍ جديد.


حياة قالوش

شاهد أيضاً

غدير الزبون تُوجّه "صرخة كتب" إلى مثقفي العالم في كتاب "رسائل نسائية عربية"

غدير الزبون تُوجّه “صرخة كتب” إلى مثقفي العالم في كتاب “رسائل نسائية عربية”

شفا – في رحلة جديدة للحرف العربي، وضمن تظاهرةٍ ثقافيةٍ عربيةٍ واسعة، تشارك الكاتبة غدير …