
لماذا جرى استبعاد القادة من صفقة التبادل ؟ ، تحليل ، بقلم : راسم عبيدات
القادة السياسيون والعسكريون الكبار، من أمثال الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح مروان البرغوثي، وقادة القسام عبد الله البرغوثي، حسن سلامة، إبراهيم حامد، عباس السيد، وغيرهم من القادة — مع أن هذا لا يُقلل من أهمية ووزن ودور أيّ أسير — كل الدلائل تشير إلى أنهم لن يكونوا من ضمن صفقة التبادل الحالية، التي يُرجّح تنفيذها يوم غد الاثنين.
يبدو أنّ عملية الاستبعاد لهؤلاء القادة، رغم قناعتي بأن الوفد المفاوض الفلسطيني بذل جهودًا كبيرة من أجل إطلاق سراحهم، لم تكن نابعة فقط من اعتراض جهاز «الشاباك الإسرائيلي» على إطلاق سراحهم، بل إن المستوى السياسي في حكومة الاحتلال رفض ذلك أيضًا، كي لا يظهر أن حماس والمقاومة قد حققا نصرًا في هذا الجانب؛ ولأن إطلاق سراحهم من شأنه أن يعزّز محور المقاومة في الساحة الفلسطينية والعربية، ويُخلط الأوراق، ويشكّل اعتراضًا جادًا على المشاريع والمخططات التي تُطبَخ حيال القضية الفلسطينية والمنطقة والإقليم.
من المرجّح أن تتسارع خطوات ما يُعرف بـ «السلام الإبراهيمي» في المنطقة، ولعل طبيعة الوفود التي ستشارك في قمة شرم الشيخ غدًا — التي ستقودها مصر وأمريكا بمشاركة ثلاثين زعيمًا من دول عربية وإسلامية وعالمية — تدل على أن دائرة التطبيع وما يُعرف بالسلام الإبراهيمي ستمتد إلى دول عربية وإسلامية، وربما تكون باكستان وإندونيسيا والسعودية في مقدّمة هذه الدول.
كما أن هؤلاء القادة يحظون بشعبية وجماهيرية وحضور ليس فقط في تنظيماتهم، بل على صعيد الشعب الفلسطيني؛ ولهم امتدادات عربية وإسلامية وحتى دولية. وهم يشكّلون روافع للنضال الوطني الفلسطيني، ولديهم القدرة على توحيد الساحة والموقف الفلسطيني، وهو ما لا تريده «إسرائيل» ولا أمريكا، ولا العديد من الدول العربية التي تحرص على أن يبقى دورها وحضورها في الساحة الفلسطينية، والتي توظف هذا الدور لخدمة أهدافها ومصالحها. ومن هنا، فإن خيار هؤلاء القادة يتعارض مع الخطّ الرسمي للنظام العربي والإسلامي.
ولعلّ ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، وفق مصادرها الخاصة، بعد حصولها على وثائق سرّية من القيادة المركزية للجيش الأمريكي (سنتكوم)، من أن ستّ دول عربية كانت منخرطة في نظام أمني إقليمي وقدّمت مساعدات أمنية واستخبارية ولوجستية لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، رغم كل الضجيج الإعلامي الذي صدر عن مؤسساتها وقياداتها الرسمية بأنها تقف ضد هذا «التغوّل» و«التوحش» الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
هنالك أسئلة مستحقة يطرحها الشارع الفلسطيني وأهالي هؤلاء الأسرى، وغيرهم من الأسرى المؤبدين: لماذا لم تشمل الصفقة أبناءهم الأسرى؟ وهل جرى التضحية بهم؟ رغم أن الصفقة لم تعتمد المعيار الحزبي والتنظّمي، بل اعتمدت على الأقدمية في السجن ومدة الحكم.
الاحتلال وأجهزته الأمنية وحكومته، كالعادة في التلاعب وبث الفتن والسموم، اعتمد سياسة المراوغة والتسويف، والتلاعب بالأسماء، وبث معلومات مثيرة للفتنة، حول استبدال أسماء أسرى بآخرين، ليُفسَح المجال أمام وسائل إعلام الفتنة والمأجورين والمرتزقة من صحفيين وإعلاميين وكتاب ومحلّلين، ليمارسوا دورهم في التحريض والتشكيك.
من وجهة نظري، الوفد الفلسطيني المفاوض والفريق الذي قاد عملية التفاوض، لم يعش فقط تحت ظروف ضاغطة، بل كان يدرك أن هناك قضايا كبرى ومشاريع ومخططات تنتظر التفجير من قِبل المقاومة للصفقة؛ خاصة أن حرب الإبادة والتهجير كانت واحدة من أهم أهداف نتنياهو وحكومته وشريكه ترامب. والمواقف العربية والإسلامية الرسمية لا يُبنى عليها، فهي في أحسن الأحوال تتحرك على الحياد السلبي، أقلّ من «صليب أحمر». لذا، ربما فضل الفريق المفاوض وقف مخططات الطرد والتهجير على أولوية إطلاق العديد من القادة السياسيين والعسكريين للمقاومة، رغم أنهم كانوا يدركون أن ذلك قد يضعف الصفقة. فهؤلاء القادة يرمزون لتحرّر جانبي رمزي ومعنوي ونفسي عند الشعب الفلسطيني، إلى جانب الحضور الشعبي والجماهيري والحزبي والسياسي، لكن الظروف المحيطة بهذه الصفقة — والتي تُقال عنها إنها أسوأ مقارنة بالصفقات السابقة — والإكراهات المحيطة بقبولها والموافقة عليها تجعل رفضها من حيث المكاسب والخسائر قد يسبّب تداعيات أسوأ على الشعب الفلسطيني، حيث الأولوية هي لوقف سيل الدم الفلسطيني وإفشال مخططات الطرد والتهجير.
الآن، في ظل توقف سيل الدم مؤقتًا، ومع أن ما هو آتٍ أخطر وأشرس، فإن العدو لن يسلّم بحقوق شعبنا، وسيسعى بكل قوّته إلى تخريب الاتفاق، وسيعمد مع الأمريكي شريكه إلى اختلاق الحجج والذرائع للتهرّب من تنفيذ استحقاقاته والتزاماته.
نعم، قادة الحركة الأسيرة هم طليعة النضال الوطني الفلسطيني، ونيل حريتهم واجب على القوى الفلسطينية، لكن علينا أن لا نكون متطيرين، وألا نستمر في جلد الذات. الضمانات لهذا الاتفاق وحرية الأسرى ليست مكفولة، وقد رأينا بأعيننا ما جرى بحقّ الأسرى المحرَّرين في صفقة «شاليط – الوفاء للأحرار»، حين أعادت إسرائيل اعتقال أكثر من 50 منهم عام 2014، وفي صفقات التبادل التي جرت بعد معركة السابع من أكتوبر جرى تحرير القسم الأكبر منهم، لكن بشرط إبعادهم عن الوطن، وفرض بعضهم على الخروج.
لذلك، في هذه المرحلة التي تمرّ بها قضيتنا أدقّ وأخطر مراحلها، وفي الوقت الذي بات فيه في دائرة الاهتمام العالمي، حين دخلت إلى كل بيت في العالم، ورأينا حجم التضامن مع شعبنا في الساحات والميادين الأوروبية، وما شكّل هذا من ضغط كبير على دول كانت حليفة استراتيجية لإسرائيل — كيف اضطُر هذا الضغط إلى الاعتراف بدولة فلسطين، تجنبًا لضغوط أكبر، بفرض الحصار والمقاطعة على إسرائيل — وترمب، بعد عامين من الحرب المتواصلة، قال لشرير نتنياهو: «إسرائيل لا تستطيع محاربة العالم أجمع، ولولا أمريكا لما بقيت إسرائيل موجودة».
علينا أن نزيح خلافاتنا جانبًا، وأن نغادر خانة التحريض والتحريض المضاد، وأن ننهي انقساماتنا، وأن نخوض المعركة الآن في ميدان وساحات الوعي، وعلى كل الصعد؛ فهي أولوية وتتقدّم على أشكال النضال الأخرى.
فلسطين — القدس المحتلة