
غزة تنتصر بإرادتها.. والمشروع الوطني أمام لحظة الحقيقة ، بقلم : محمد علوش
إن الإعلان عن اتفاق وقف الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، وما يتضمنه من بدء الانسحاب الإسرائيلي، وإطلاق سراح الأسرى والرهائن، وإدخال المساعدات الإنسانية، ليس مجرد محطة عابرة في سلسلة المواجهات المتواصلة مع الاحتلال، بل هو حدث مفصلي في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يحمل في طياته دلالات سياسية وإنسانية عميقة، وهو تتويج لصمود الشعب الفلسطيني الذي أثبت، مرة أخرى، أن إرادته أقوى من آلة الحرب، وأن روح المقاومة والنضال في غزة لا تهزم مهما اشتدت النيران.
لقد فرضت غزة — بدمها ووجعها، بصبرها ووعيها — على الاحتلال أن يراجع حساباته السياسية والعسكرية، وأن يدرك أن الكفّ الفلسطيني الصغير قادر على أن يوقف زحف الجبروت، وأن إرادة الحرية لا يمكن أن تكسر أمام منطق القوة الغاشمة، فلقد قدّم أهل غزة للعالم درساً جديداً في معنى الصمود الجمعي، حين تماهى الألم بالكرامة، والجوع بالأمل، والحصار بالعنفوان.
إن ما جرى التوصل إليه اليوم هو انتصار سياسي ومعنوي لشعبنا، لكنه في الوقت ذاته اختبار وطني صعب لقيادتنا، وقوانا السياسية، ومؤسساتنا الوطنية، فالمسؤولية الآن تقتضي أعلى درجات الوعي والوحدة، والتعالي على الخلافات، وصون القرار الوطني المستقل من أي محاولات للوصاية أو الالتفاف أو التفتيت، وإن اللحظة الراهنة لا تحتمل التردد، ولا تسمح بتكرار أخطاء الماضي. علينا أن نُعيد بناء وحدتنا الوطنية على أساس برنامج كفاحي تحرري واضح، يعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني في أبعاده السياسية والاجتماعية والإنسانية، ويستند إلى الثوابت التي لا مساومة عليها: الحرية، والاستقلال، وعودة اللاجئين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني وعاصمتها القدس.
نرى في هذا الاتفاق فرصة لإعادة تصويب البوصلة الوطنية نحو ما يجمع لا ما يفرّق، ولتعزيز الموقف الفلسطيني في مواجهة كل المشاريع المشبوهة التي تستهدف تمزيق الجغرافيا وتفكيك الهوية، فالسيادة على قطاع غزة هي لدولة فلسطين وحدها، صاحبة الولاية السياسية والقانونية على جميع الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وأي محاولة لتجزئة هذا الإطار الوطني هي عدوان على روح القضية وجوهرها.
إن صمود غزة ليس حدثاً عسكرياً فحسب، بل هو فعل روحي وتاريخي، يعيد تعريف معنى الوجود الفلسطيني على هذه الأرض، فغزة اليوم ليست جغرافيا محاصرة، بل رمز متجدد لكرامة الأمة كلها، ومن تحت الركام يولد الوعي الجديد، وها هو الشعب الفلسطيني يدخل مرحلة جديدة من النضال والبناء، مسلحاً بثقة المنتصر، وبإرادة لا تعرف الانكسار.
لقد أثبتت غزة أن الدم يمكن أن يهزم السيف، وأن الوطن لا يبنى إلا على الصبر والإصرار، وأن الشعوب التي تدافع عن كرامتها لا يمكن أن تهزم، وما تحقق اليوم هو ثمرة نضالٍ طويل وتضحيات جسام، ونافذة تفتح على فجر فلسطينيّ جديد، عنوانه الصمود طريق الحرية، والوحدة طريق النصر.