
دراسة أدبية ، كتاب “هلوسة” للكاتبة رانية مرجية ، بقلم : دكتور عادل جودة
•الكتاب (هلوسة )
- الكاتبة ( رانية مرجية)
- عدد الصفحات ١٠٦ صفحة
•سنة الاصدار ٢٠٢٥
• من كتب التنمية البشرية
وتطوير الذات
في عالم تعجُّ فيه أصوات النُّصح الجافة، وتتهافت فيه صيحات التحفيز المبتذلة، يأتي كتاب “هلوسة” للكاتبة رانية مرجية كَنسمةٍ عابرةٍ لنفسٍ ظمأى، وكَوَمضةِ ضوءٍ في غرفةٍ مطبقةٍ بالظلام. إنه ليس كتاباً تقرأه بعقلك فقط، بل تُسافره بروحك، تُصارحه بأسرارك، وتستقي منه جرعاتٍ من الأمل المُركَّز.
العنوان نفسه “هلوسة” يُشي برهافة الحسّ وعمق الرؤية. فليست الهلوسة هنا ضرباً من الجنون، بل هي حالةٌ من الصفاء الذهنيّ تُخرِجُك من قيود الواقع المادي المحدود، لتسبح في فضاءات الذات اللامتناهية.
إنها دعوةٌ لجعل أحلامك “هَلوسة” تراودك ليل نهار فلا تعرف مستحيلاً ولا تؤمن بحدود.
في مائة وست صفحات فقط، تُقدّم لنا مرجية خلاصة تجربتها الإنسانية والفكرية مُصيغةً إياها بلغةٍ أدبيةٍ شاعريةٍ نادرةٍ في كتب التنمية البشرية.
فاللغة هنا ليست وسيلة إيصال فحسب بل هي جوهر التجربة.
إنها لغة تلامس شغاف القلب تُثير فيك دهشة الاكتشاف وتستفزّ كوامن الإبداع في داخلك. كل جملة هي لوحةٌ معنوية وكل فكرة هي نغمةٌ في سيمفونية التغيير.
الكتاب لا يقدم وصفات جاهزة ولا يخطّط لك خطواتٍ آلية.
مهمته الأساسية هي “تفجير” الطاقات الكامنة في أعماقك، وتذكيرك بأنك لست ذلك الكائن الضعيف الذي تظنه، بل أنت بحرٌ هادر من الإمكانات.
إنه يغوص بك في أعماق الذات لاستكشاف ذلك الكنز المكنون الذي غُيّب عنك بفعل ضجيج الحياة وروتينها القاتل.
ومن أبرز ملامح هذا العمل الفريد، ذلك الحوار الحميميّ الذي تُجريه الكاتبة مع قارئها. إنه حوارٌ لا يشعرك بالتبعية، بل يوقظ فيك روح الشريك الذي يُساهم في بناء المعنى. إنها لا تُلقّنك بل تستنطقك، فتكتشف أن الإجابات كلها كامنةٌ فيك أنت.
“هلوسة” هو كتابٌ يُقرأ بالقلب قبل العين وبالروح قبل العقل. هو رحلةٌ إلى أعماق الذات الإنسانية بحثاً عن ذلك النور الأول الذي فطرنا الله عليه. هو محاولةٌ لجعل الحياة ليست مجرد أيامٍ نعيشها بل لوحةً فنيةً نرسمها بإرادتنا، وقصيدةً شعريةً ننظمها بأحلامنا.
في الختام..
لا يسعنا إلا أن نقول إن رانية مرجية قدّمت في “هلوسة” عملاً مختلفاً، يرفع سقف التوقُّع لما يمكن أن تكون عليه كتب تطوير الذات. كتابٌ لا يكتفي بأن يمنحك السمكة، ولا يكتفي بأن يعلّمك الصيد، بل يذكرك أنك ربّ البحر الذي فيه السمك.