6:15 مساءً / 6 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

حين يُمنع الزيتون من أن يشهد ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

حين يُمنع الزيتون من أن يشهد ، بقلم: ثروت زيد الكيلاني

في صمت الفجر، حين يكون الندى آخر من يسافر بين أوراق الأشجار، يقف الفلاح الفلسطيني على تخوم أرضه، يحدق في أشجار الزيتون كما يحدق في وجه أمه. يعرف كل غصن، كل ورقة، كل نبتة كما يعرف خطى قلبه. لكنه لا يستطيع الاقتراب. الجنود يطوّقون الحقل، والمستوطنون يقطفون الثمر المسروق، والزمن نفسه يبدو معلقاً، يوقف أنفاس الأرض والفلاح معاً .

كل منع هنا ليس مجرد حدود للجسد، بل هو سرقة للوجود. حين يُمنع الفلاح من الدخول إلى حقله، يُنتزع جزء من ذاته، من ذاكرته، من صوته الذي كان يهمس بالأرض كل صباح. الأرض ليست مجرد تراب، بل كيان حيّ، امتداد للكرامة والهوية، لكل من ينتمي إليها. كل مساس بها هو مساس بوجود الإنسان نفسه، بكل ما يعنيه أن يكون للإنسان صدى في العالم.

الزيتون، بصمته العميق، يصبح مرآة العدالة، شاهداً صامتاً على الانتهاك، وصوتاً لم يُقمع بعد. كل ثمرة تُغتصب فصل يُحذف من كتاب الذاكرة الفلسطينية، وكل منع للفلاح صفحة جديدة من نفي الإنسان عن ذاته. ومع ذلك، تظل الجذور صامدة، والصمود أبلغ أشكال الكلام؛ حكاية صامتة تقول: “لن نموت، لن يُمحى وجودنا.”

الفلسطيني، رغم قيود المكان، لا يفقد المعنى؛ بل يصنعه. الإيمان بأن الحقّ لا يموت، وأن الكرامة تبقى حيّة رغم الجدار، ينبض في قلبه. العدالة ليست فكرة بعيدة، بل شعور داخلي بأن الوعي بالحقّ بذرة لا يمكن لأي احتلال اقتلاعها. هو لا يزرع الزيتون لموسم، بل يزرع وجوده، يزرع ذاكرته، يزرع الصمود في الأرض وفي الوعي.

الزيتون هنا أكثر من شجرة؛ هو مبدأ، مرآة أخلاقية، تاريخ حيّ، شهادة على أن الوجود لا يحتاج إذنًا. في كل موسم، يظل الزيتون يُثمر، مهما طال المنع، مهما طال الغياب، وكل فلاح واقف أمام شجرته المحاصرة، أكبر من كل الخطباء. صمته لغة، وحزنه وعي، ونظرته المتمسكة بالأرض محض فلسفة صامتة عن أن الحق لا يموت.

حين يُسلب الإنسان أرضه، لا يخسر حقلاً فقط، بل يخسر العالم بعضاً من عدالته. حين يُسلب الحق، لا يُسلب الزيتون وحده، بل تُسلب الحكاية، الذاكرة، الصلة بين الإنسان وأرضه. ومع ذلك، فإن الجذور تعلن التحدي: الصمود أعمق من السلاسل، والكرامة أقوى من الرصاص، والحقيقة أكثر عناداً من الجدران.

الزيتون الفلسطيني ليس مجرد شجرة تُثمر، بل كائن يحتضن في جذوره معنى الوطن وكرامة الإنسان، ويفتح أمامنا أفقاً آخر للفكر: أن تكون الأرض فلسفة، وأن يكون الإنسان شهادتها الحية. كل غصن، كل ورقة، كل ثمرة تتحدث عن صمود، عن حق، عن نور يرفض الانطفاء.

وفي المشهد الذي يدمع له القلب وتنتحب له الروح، تبقى الحقيقة أكثر عناداً من الرصاص:


قد تُسلب الأرض، قد يُمنع الجسد من العبور، لكن الوعي — هذا الزيت الذي لا ينطفئ — سيظل يشهد أن من زرع الحق في أرضه، كتب اسمه في الوجود، وترك بصمته في قلب الزمن، على أوراق الزيتون، في صمت الفجر، وفي كل نفضة ندى.

شاهد أيضاً

محافظ اريحا والاغوار يلتقي مستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش

محافظ اريحا والاغوار يلتقي مستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش

شفا – التقى محافظ أريحا والأغوار د. حسين حمايل، اليوم، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات …