
العولمة الاقتصادية تتقدم رغم التحديات ، بقلم : تيان جيانينغ
في عالم اليوم، تواجه العولمة الاقتصادية مشهدا معقدا: تتصاعد الأحادية والحمائية، وتتزايد المخاطر الجيوسياسية وتوترات سلاسل التوريد. ومع ذلك، يكشف النظر عن كثب عن قوة أخرى أكثر تأثيرا: تواصل الدول سعيها للتعاون، وتظل الصناعات والأسواق العالمية مترابطة بشكل وثيق. وكما صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ في القمة الافتراضية الأخيرة لقادة مجموعة البريكس: “علينا أن نتمسك بثبات بالعمل على بناء الاقتصاد العالمي المنفتح، ونتقاسم الفرص ونحقق الكسب المشترك في عملية الانفتاح، مهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية.” هذا ليس التزاما من الصين فحسب، بل هو أيضا قراءة دقيقة للاتجاهات العالمية.
التعاون لا يزال هو التيار السائد: الأرقام لا تكذب
رغم التحديات في البيئة الاقتصادية والتجارية العالمية، فإن اتجاه التعاون والمنفعة المتبادلة لم ينكسر. بلغ صافي الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجي للصين 192.2 مليار دولار أمريكي في عام 2024، بزيادة بنسبة 8.4 بالمئة مقارنة بالعام السابق له، ما يمثل 11.9% من الإجمالي العالمي، ليحتل بذلك مرتبة بين الدول الثلاث الأولى عالميا للعام الثالث عشر على التوالي. ومن بين ذلك، ارتفع حجم الاستثمار المباشر في الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق بنسبة 22.9% على أساس سنوي، مما يدل على أن الأسواق الناشئة لا تزال أرضا خصبة لرؤوس الأموال العالمية. وفي الوقت ذاته، تنتشر الشركات الصينية في الخارج عبر 190 دولة ومنطقة، لتشكّل شبكة تعاون عابرة للقارات.
ولا يقتصر الأمر على استمرار حماس “التوجه نحو الخارج”، بل تزايدت أيضا قوة “جذب الاستثمارات إلى الداخل”. في عام 2024، تجاوز إجمالي واردات وصادرات الصين من الخدمات 7.5 تريليون يوان، بزيادة سنوية قدرها 14.4%، متجاوزا بذلك حاجز تريليون دولار أمريكي لأول مرة. وفي ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، يُظهر هذا النمو المُعاكس للدورة الاقتصادية تماما حاجة العالم إلى الصين، وأن الصين تستجيب لتوقعات العالم بمستوى أعلى من الانفتاح.
التزام بالانفتاح: اليقين القادم من الصين
في مواجهة حالة عدم اليقين العالمية، يصبح اليقين في حد ذاته موردا نادرا. فقد أكد الرئيس شي في رسالة التهنئة إلى معرض الصين الدولي لتجارة الخدمات 2025، أن الصين ستظل ملتزمة بحزم بتوسيع الانفتاح رفيع المستوى، والمواءمة مع القواعد الاقتصادية والتجارية الدولية عالية المعايير بنشاط، وشدد على بناء اقتصاد عالمي منفتح. هذه التصريحات لم تكن مجرد إعلان سياسي، بل تجسدت في أفعال ملموسة.
استقطب معرض الصين الدولي لتجارة الخدمات 2025، الذي عُقد في بكين، 85 دولة ومنظمة دولية، بمشاركة ما يقرب من 2000 شركة. أرسلت أستراليا أكبر وفد لها على الإطلاق. أما بريطانيا، بصفتها ضيف الشرف في معرض الصين الدولي الـ25 للاستثمار والتجارة، فقد أرسلت أيضا أكبر وفد لها على الإطلاق. سواء كانت دولا متقدمة أم نامية، فإن الجميع يسعى إلى الاستفادة من هذه المنصات لتعميق تواصله مع السوق الصينية. وهذه الحقائق بحد ذاتها تمثل دليلا حيا على مرونة وحيوية العولمة الاقتصادية.
الابتكار والأخضر: محركات جديدة للعولمة
لم تعد العولمة اليوم مجرد تدفق للبضائع، بل أصبحت أيضا تبادلا عابرا للحدود للابتكار والتكنولوجيا والمفاهيم الخضراء. فمجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الاقتصاد الرقمي، الطاقة الخضراء، والعلوم الحيوية، أصبحت ركائز جديدة للتعاون.
على سبيل المثال، وصلت قوة الحوسبة في SenseTime إلى 25000P، مما يجعلها قوة دافعة لتطوير الذكاء الاصطناعي العالمي. كما أتمت شركات الأدوية الصينية حتى أغسطس من هذا العام 84 صفقة ترخيص خارجية بلغ مجموعها 80 مليار دولار أمريكي، مما يدل على التكامل المتسارع للابتكار الصيني في النظام البيئي العالمي للبحث والتطوير. وفي المقابل، أنشأت شركة “أرامكو السعودية” تسع شركات مشتركة في الصين، باستثمارات تجاوزت 240 مليار يوان صيني، وتخطط أيضا للدخول في مجال الشركات التكنولوجية الناشئة عبر صناديق رأس المال المخاطر. يمكن القول إن الروابط بين الصين والعالم في مجالات الابتكار والتنمية المستدامة أصبحت أوثق من أي وقت مضى.
إجماع دولي: الانفتاح هو المستقبل
مواقف المجتمع الدولي المتعددة تُظهر اتجاها متسقا. فقد صرح المستشار التجاري النرويجي بصراحة أن الدول الصغيرة تعتمد على الأسواق المفتوحة، وأن الحمائية تضر بها بشدة. وأكد السفير البريطاني لدى الصين أن أهمية التعاون بين الصين والمملكة المتحدة تتزايد في ظل الظروف المضطربة التي نعيشها اليوم. وأشار ممثلون من المغرب ورواندا ودول أخرى إلى أن الصين قد خلقت فرصا ملموسة للدول النامية من خلال التفضيلات الجمركية وانفتاح الأسواق.
هذه الأصوات، القادمة من بلدان وخلفيات مختلفة، تنقل رسالة مشتركة: الانفتاح والتعاون لا يزالان القاسم المشترك الأكبر للعالم، وأن عملية العولمة الاقتصادية لا يمكن إيقافها.
(ملاحظة) اقرأ مزيداً من الأخبار حول الصين … إضغط هنا للمتابعة والقراءة