
“الملائكة مشغولة” ، بقلم : سعاد الطميزي
هدّئ من روعك يا صغيري…
أنت لست وحدك. أنا معك، بجانبك.
ها هي أنفاسي تعانق أنفاسك،
ونبضات قلبي تعين قلبك الهشّ.
فلا تجزع…
ذلك الشعر الشبيه بالشمس، سيقود النهار إلينا،
لا محالة سينقشع هذا الليل الظالم قريبًا.
صدقني، فأنا لا أكذب.
لقد قطعتُ عهداً لأمي في يوم مضى،
أن لا أكذب، حتى في أقسى الظروف.
صارحني يا أخي…
إن كان الظلام يخيفك، أخبرني.
إن نوى البرد أن ينهش عظامك،
سأوقد لك عيناي ناراً، أهديك منها قبسًا.
وفي اللحظة التي كنت أحاول فيها التخفيف عنه،
كانت بيوت المدينة تُدكّ بطريقة هائجة،
وصوت ارتطام الأسقف والأعمدة وهي تتكسّر كان مرعبًا…
الموت زلزال عظيم، يهزّ من حولنا، يسحق العظم قبل اللحم.
دارت عيناه الفزعتان نحوي،
وسألتني أختي:
“هل ستقبض الملائكة أرواحنا الآن؟”
آه يا أمي…
هذا الطفل البريء، الذي لم يعرف بعد خبث الحياة،
كيف له أن يعرف الموت؟
كيف يدرك أن الحرب لا تُبقي ولا تذر؟
سامحيني، يا أمي، اعذريني…
لا يمكنني أن أخبر طفلكِ بأنه لا يوجد أمل.
خوفه سقط في قلبي، كقطع زجاج تمزّقني…
استجمعت قواي، وصنعت ابتسامة مزيفة، ارتديتها قائلاً:
“لا، يا عزيزي…
الملائكة مشغولة الآن بمن ماتوا قبل لحظات.
كثيرون… نزفاً، وجوعاً، وعطشاً، وقهراً.
كثيرون جدًا…
لهذا، هذه فرصتنا الوحيدة للبقاء…
طالما بقيت الملائكة مشغولة!”
أختي…
أريد أن أبكي، أنا أرتجف، أودّ الالتصاق بك…
ساعديني، إنّي لا أقوى.
أخي…
اخلع عنك خوفك، دع الأمل يتسلل إليك،
حتى وإن كان حافي القدمين.
سأخبرك سراً…
اصطنعته لنفسي وأخفيته عنك طويلاً.
خلف الفناء الخلفي من بيتنا،
زرعتُ شجرة جوز، في وقت مضى…
كنت أخدمها كل يوم،
أرويها، وأهمس لها بأن تكبر.
وبالأمس…
وصلت جذورها إلى قلب منزلنا،
تتباهى بغصونها المخضرة، وبصلابة جذورها.
وحين حلّ المساء،
بعثت لي رسالة تسأل:
“هل أستطيع ردّ المعروف؟”
فأجبتها:
“إن لي أخ… أحبه… ولا أطيق الحياة من دونه.
كوني له، بعد الله، طوق نجاة.”
هي ستأتي، يا أخي،
ستلتفّ بجذورها حول خاصرتك النحيلة،
سترفعك من تحت الركام،
ستغني لك غصونها أنشودة سلام،
تعبر بك، بقلبك وجسدك… إلى برّ الأمان.
سامحيني يا أمي…
فطفل صغير مثله، يُرضَع بالأمل،
حتى وإن كان أعرجًا، يُبقيه الأمل حيًا.
واعذريني…
لأني أعلم أن الأكاذيب لا تعيش طويلاً،
وسامحيني، لقد عدتُ للكذب مرة أخرى،
بعد أن قطعت لكِ عهداً…
أن لا أكذب، أبداً.