10:25 مساءً / 13 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

الصين : روايتان مختلفتان

الصين : روايتان مختلفتان

شفا – شهد الاستثمار في الصين تحديات متزايدة خلال السنوات الأخيرة. فإذا تصفّحت أي وسيلة إعلام غربية كبرى، فمن المرجّح أن تصادف رواية متكررة حول الصين: انهيار في قطاع العقارات أضعف ثقة المستهلكين، وحرب تجارية تلوح في الأفق تهدّد بمزيد من التباطؤ في الاقتصاد. وعلى مدى السنوات الأخيرة، كان أداء سوق الأسهم الصينية دون المستوى مقارنة ببقية الأسواق العالمية، وربما كان ذلك مُبرّراً.


غير أن هناك رواية أخرى تتكشف في الوقت ذاته – الصين تشهد طفرة صناعية مثيرة للإعجاب. فهي تُمثّل الآن ما يقارب ثلث الإنتاج الصناعي العالمي، وتتصدر العديد من الصناعات الحديثة مثل التحول الأخضر، والأتمتة الصناعية، والذكاء الاصطناعي بشكل متزايد.


وخلال السنوات الخمس الماضية، تلقّى الجمهور الغربي تغطية مكثفة للرواية الأولى، لكن سمع القليل جداً عن الثانية. ولهذا، فقد يكون من المفاجئ للبعض أن الصين كانت أفضل سوق أسهم أداءً على مستوى العالم في عام 2024.
ما الذي تغيّر؟


السياسات المحلية: تحوّل نحو النمو


في حين أن التركيز في الأسواق لا يزال منصباً على الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنه من الضروري عدم إغفال ما هو أكثر أهمية من منظور الأعمال داخل الصين: فكر الرئيس الصيني شي جينبينغ الاقتصادي.
فمنذ سبتمبر 2024، شهدنا تحولًا حاسمًا. فقد كشفت الحكومة عن حزمة اقتصادية شاملة تهدف إلى استقرار القطاعات الرئيسية وتحفيز النمو، بعد سنوات من السياسات الحذرة. ومن المرجّح أن تؤدي حالة عدم اليقين المتزايدة حول سياسات ترامب التجارية إلى تعزيز هذا التوجّه المحلي لبكين.


وإلى جانب التحفيز المالي، اتخذ صانعو السياسات خطوات ملموسة لاستعادة الثقة في القطاع الخاص، لا سيما في صناعات الإنترنت والتكنولوجيا، التي خضعت لمراجعة تنظيمية مشددة منذ عام 2021.


كما يمثّل ظهور نموذج “DeepSeek” نقطة تحول أخرى، إذ تُعيد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ميسورة التكلفة تشكيل مشهد صناعة الإنترنت من خلال تحسين الكفاءة، وخلق مصادر دخل جديدة، وتعزيز تفاعل المستخدمين، وتحسين الهوامش الربحية. ونعتقد أن الظروف أصبحت مواتية لنهضة الاقتصاد الرقمي في الصين.


الاقتصاد: التحوّل واسع النطاق هو الأهم


رغم أن الإجراءات السياسية أرست الأساس، فإن وتيرة تحسن ثقة المستهلك لا تزال غير مؤكدة. إن إعادة توازن اقتصاد بهذا الحجم – من نموذج قائم على البنية التحتية والديون إلى آخر مدفوع بالابتكار والاستهلاك المحلي – سيستغرق وقتاً.
لكن ما يهم فعلياً بالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل ليس معدل النمو الكلي بحد ذاته، بل حجم التحول على مستوى الاقتصاد بأكمله.


خذ الاستهلاك المحلي كمثال. الإنفاق على التجارب عاد مجددًا إلى الواجهة. فالمستهلكون الشباب يتبنون أنماطًا جديدة في شرب القهوة: سلسلة “Luckin” افتتحت أكثر من 20,000 فرع في مختلف أنحاء الصين، تُقدّم كل شيء من القهوة الأمريكية التقليدية إلى “اللاتيه بجوز الهند”. كما بدأت العائلات تعود إلى سلسلة مطاعم “Haidilao” المتخصصة في الأطباق الساخنة، والتي سجلت 450 مليون زيارة خلال عام 2024.


ومع بدء تأثير الحوافز الاقتصادية، فإن التعافي القائم على الاستهلاك في الصين لم يعد مجرّد احتمال، بل أصبح تحولاً جارياً. صحيح أن التحولات الاقتصادية بهذا الحجم لا تسير في خط مستقيم، لكنها توفر فرصاً حقيقية للمستثمرين الباحثين عن النمو طويل الأمد.


تمثل سوق الأسهم الصينية نحو 3٪ فقط من مؤشر MSCI العالمي، ولكن عند تصفية الشركات المتوقع أن تحقق نمواً في الإيرادات يفوق 20٪ سنوياً خلال السنوات الثلاث المقبلة، يتبيّن أن أكثر من 35٪ منها صينية. ولا توجد دولة أخرى تشهد تحوّلاً بهذا الحجم وبمثل هذه السرعة.


الابتكار: العملاق العقلي المُهمَل


لطالما عُرفت الصين لعقود بأنها “أمة مقلدة”. لكن هذا التصور بات متجاوزاً. إذ تدفع الشركات الصينية الآن بعجلة الابتكار في العديد من الصناعات الحديثة، وهي نقطة لا ينبغي للمستثمرين تجاهلها.


المنتجات الصينية المبتكرة، التي كانت تُعتبر في السابق “صالحة فقط للسوق المحلي”، باتت تكسب ثقة المستهلكين في الأسواق العالمية. فمثلاً، التجارة الاجتماعية – التي تتيح الشراء مباشرة عبر وسائل التواصل والبث المباشر – انطلقت في الصين قبل عقد من الزمن، وهي الآن تنتشر بسرعة في أسواق أخرى. شركة BYD، رغم أنها لا تملك حصة في سوق السيارات الكهربائية الأمريكية، إلا أنها تواصل توسعها في جنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية، وحتى في أسواق متقدمة مثل أستراليا والنرويج.


إن “مصنع العالم” ينتقل من مرحلة “صُنع في الصين” إلى “ابتُكر في الصين”.


ويأتي تحوّل الصين نحو التصنيع المتقدم والابتكار ليس فقط لسد الفجوة، بل لقيادة العالم. ويرجع ذلك إلى استثمارات الصين طويلة الأمد في مجالات الطاقة الجديدة، والنقل، وبنية تحتية متقدمة مثل شبكات الجيل الخامس، إضافة إلى قاعدة عملاء محليين تتميز بسرعة التكيّف وارتفاع التطلعات، ووفرة في الكفاءات القادرة على تحسين وتطوير وتسريع الابتكار الإنتاجي بدرجة تفوق باقي الدول.


تُخرج الصين 40٪ من خريجي العالم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سنويًا. وقد قال الرئيس التنفيذي لشركة Apple، تيم كوك، ذات مرة:


“إذا عقدنا مؤتمرًا لمهندسي الأدوات في الولايات المتحدة، قد لا نملأ قاعة واحدة؛ أما في الصين، فيمكنهم ملء عدة ملاعب كرة قدم. لم نأتِ إلى الصين بسبب العمالة الرخيصة، بل بسبب المهارات.”


الجيوسياسة: هل لا يزال الفيل في الغرفة؟


رغم أن التعريفات الجمركية والجوانب الجيوسياسية تظل مصدر خطر لفئة الأصول هذه، إلا أنه من الجدير بالملاحظة أن الولايات المتحدة والصين أصبحتا أقل اعتماداً على بعضهما البعض مما كانتا عليه سابقاً: فقد تراجعت نسبة صادرات الصين إلى الولايات المتحدة من إجمالي صادراتها، وكذلك انخفضت نسبة واردات الولايات المتحدة من الصين من إجمالي وارداتها منذ بدء الحرب التجارية الأولى.


وقد اتخذ العديد من المصدّرين الصينيين خطوات لتوسيع قاعدة صادراتهم وبناء مراكز تصنيع خارج البلاد. ورغم أن أثر هذا التحول في سلاسل التوريد سيتضح تدريجياً، فإن الصين اليوم في وضع أفضل لمواجهة انهيار محتمل في التجارة مع الولايات المتحدة.


على سبيل المثال، تعمل شركتا AMEC وNaura على سد الفجوات في قطاع معدات أشباه الموصلات التي خلّفتها القيود الأمريكية على التصدير؛ وتبرز شركة Horizon Robotics كـ”الرد الصيني على NVIDIA” في صناعة الرقائق المدفوعة بالذكاء الاصطناعي.


المستقبل: إلى أين؟


رغم أن فك الارتباط بين الولايات المتحدة والصين لا يصب في مصلحة الاقتصاد العالمي، فإن ما يترتب عليه من ضعف محتمل للدولار الأمريكي قد يشجع على تنويع الاستثمارات عالميًا – فهل يُنهي هذا عصر “الاستثنائية الأمريكية”؟


يبدو أن المزاج الاستثماري العالمي تجاه الصين يشهد تحوّلاً من تشاؤم مفرط إلى استعداد لإعادة النظر خارج نطاق شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى. فقد عادت التدفقات الأجنبية إلى الأسهم الصينية إلى الاتجاه الإيجابي في الربع الرابع من عام 2024، لأول مرة منذ عامين، بفضل وضوح السياسات الداخلية وجاذبية التقييمات.


لن ننكر أن الصين كانت – ولا تزال – بيئة استثمارية صعبة. وللاستفادة من الفرص المتاحة، ينبغي على المستثمرين تبنّي أفق استثماري طويل الأجل يتقبّل فترات التقلب.


فالتحوّل في الصين يحدث بسرعة لافتة وعلى نطاق لا مثيل له. وغالبًا ما تنشأ أكثر الفرص جاذبية خلال فترات التغير واللايقين. والأهم من ذلك، أن هذا التحول يحدث في وقت لا تزال فيه العديد من الشركات الصينية ذات الجودة العالية تُتداول بتقييمات لا تعكس.

شاهد أيضاً

وزيرة الخارجية فارسين شاهين تعود جرحى من قطاع غزة يتلقون العلاج في مستشفيين باليونان

وزيرة الخارجية فارسين شاهين تعود جرحى من قطاع غزة يتلقون العلاج في مستشفيين باليونان

شفا – عادت وزيرة الخارجية والمغتربين فارسين شاهين، اليوم الإثنين، عددا من الجرحى من قطاع …