
رؤى صينية تحافظ على شرارة السلام في الشرق الأوسط ، بقلم : وو يافي
قد استمرت هذه الجولة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لأكثر من سبعمائة يوم، وتحول قطاع غزة إلى جحيم الدنيا. لا يزال الشعب الفلسطيني يرزح في الأرض المحروقة، تحت وطأة القصف والمجاعة والنزوح الذي يحدث كل يوم، وتتفاقم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة باستمرار. وما يزيد من القلق هو أن هذه الكارثة لا تزال بعيدة عن نهايتها. فتواصل إسرائيل تصعيد هجومها العسكري على غزة، وتواصل قضم الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية، حتى تشن غارات جوية على دول مجاورة ذات سيادة بشكل سافر، مما أثار اضطرابات جيوسياسية على نطاق أوسع. في الشرق الأوسط التي غمرت أرضها بدماء ودموع لآلاف السنين، تتهاوى الخطوط الحمراء للضمير الإنساني باستمرار، ويتعرض العدل والإنصاف الدوليان للدوس باستمرار، الأمر الذي جعل الشرارة الخافتة لسلام المنطقة تتراقص في حلقة العنف.
في وجه الوضع الحالي، لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل لا بد من تحقيق أمن دولة على حساب أمن دول أخرى؟ هل هناك حياة أغلى من حياة أخرى؟ هل لا يمكن للفلسطينيين أن يتمتعوا بنفس الحق الذي يتمتعون به الإسرائيليون في إقامة دولتهم؟ هل ستغرق منطقة الشرق الأوسط في دوامة الصراع لا حلها إلى الأبد، دون رؤية بارقة أمل للسلام؟
إن المجتمع الدولي حاليا يتبلور التوافقات ويتخذ الخطوات. قبل فترة وجيزة، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار بالأغلبية الساحقة من 142 صوتا لدعم إقامة دولة فلسطين ودعم إعلان نيويورك الذي يوفر سبل تحقيقها، كما حضر قادة من 60 دولة تقريبا القمة العربية الإسلامية الطارئة المنعقدة في الدوحة عاصمة قطر، حيث أكدوا على دعمهم للقضية الفلسطينية العادلة، وذلك بالإضافة إلى اعترافات من الدول الغربية بما فيها فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا بدولة فلسطين.
مع كل ذلك، فإن الولايات المتحدة بصفتها دولة كبرى ذات تأثير مهم للقضية الفلسطينية لم تتغاض عن النداءات العادلة من المجتمع الدولي فحسب، بل أعطت الضوء الأخضر للعمليات العسكرية الإسرائيلية، حتى رفضت بشكل مغطرس منح التأشيرات لأعضاء الوفد الفلسطيني لحضور الجمعية العامة. وخلال اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي عقد قبل أيام، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض مرة أخرى لإجهاض بمفردها مشروع القرار بشأن وقف إطلاق النار في غزة. أثبتت نتيجة التصويت 14:1 مرة أخرى أن الولايات المتحدة قد وقفت على الجانب الآخر من المجتمع الدولي، وأصبحت أكبر عقبة أمام تحقيق العدل والإنصاف الدوليين.
ظلت الصين تقف إلى الجانب الصائب للتاريخ وإلى جانب العدالة والإنصاف وإلى جانب ضمير الإنسان في القضية الفلسطينية. طرح الرئيس شي جينبينغ أكثر من مرة المبادرات والرؤى بشأن حل القضية الفلسطينية، مما ساهم بالحكمة والحلول الصينية من أجل إيجاد حل ملائم للقضية الفلسطينية. وفي يوليو عام 2024، نجحت الصين في دفع الفصائل الفلسطينية الـ14 للاجتماع في بيجينغ وتوقيع “إعلان بيجينغ” الرامي إلى إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
في الآونة الأخيرة، أكد عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وزير الخارجية وانغ يي مجددا على وجوب التزام المجتمع الدولي بـ”الضرورات الثلاث” تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أثناء جلسة مباحثاته مع وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة: أولا، من الضروري الدفع بالوقف الشامل لإطلاق النار في غزة بأكبر قدر من الشعور بالإلحاح والتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية الراهنة. ويجب على الدول التي لها تأثير خاص على إسرائيل أن تتحمل مسؤوليتها بكل جدية. ثانيا، من الضروري تنفيذ مبدأ “حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين” على أرض الواقع بشكل حقيقي، والحفاظ على الحقوق الوطنية المشروعة لدولة فلسطين في القضية المتعلقة بترتيبات الحوكمة وإعادة الإعمار ما بعد الحرب. ثالثا، من الضروري التمسك بـ”حل الدولتين” بثبات وبلورة مزيد من التوافقات الدولية ورفض أي تحرك أحادي الجانب يؤدي إلى تآكل أساس “حل الدولتين.”
إن الرؤى الصينية ليست مجرد دعم ثابت للشعب الفلسطيني، بل هي الالتزام بالعدالة والضمير والدفاع عن شرارة السلام في الشرق الأوسط. عندما يتم احترام جميع الأرواح على قدم المساواة، وعندما يقف البلدان، فلسطين وإسرائيل، جنبا إلى جنب على أساس حدود عام 1967 في تعايش سلمي، يمكن حقا حل الخلافات بين الجانبين التي طال أمدها، ويمكن أن تستمر وتنمو شرارة السلام حتى تزول تماما ظلال الحرب، لإعادة بناء هذا الوطن الذي عانى من الكثير من الصراع والمعاناة.
- – الكاتب : وو يافي – مراقب القضايا الدولية – الصين .