
الإبادة والإعاقة والنزوح ، انعكاسات مجتمعية للحياة بلا إنصاف ، بقلم : آمنة الدبش
في مشهد الإبادة لم تعد الحرب تقتصر على من يُستشهد أو من يفقد بيته بل امتدت لتزرع الإعاقة في أجساد الآلاف خصوصاً من الأطفال والنساء والشباب أطراف مبتورة وعيون فقدت النور وأجساد أنهكتها الشظايا لتتحول الحياة اليومية إلى صراع آخر أشد قسوة من وابل القذائف فالحرب لا تنتهي عند توقف الغارة بل تستمر بصورتها الأكثر إيلاماً جرحى يواجهون مستقبلاً غامضاً وأحلام مقطوعة كالأعضاء التي أُزهقت معها.
▪︎ الأبعاد الإنسانية
الإعاقة في غزة ليست فقط جسدية بل هي أيضا إعاقة في المسار الطبيعي للحياة ، طفل كانت أحلامه لا تتجاوز ركضاً في حديقة فإذا بواقعه محصور بين أسرّة المستشفيات وشابة كانت تستعد لمستقبل أكاديمي تجد نفسها أسيرة كرسي متحرك وأب يئن لأنه عاجز عن إعالة أسرته بعد أن فقد يديه أو بتر قدمه.
وفق منظمات حقوقية فإن 65% من المصابين بإعاقات دائمة هم من الفئة العمرية دون الثلاثين عاماً ما يعني أن جيلاً كاملاً يواجه مستقبلاً معطلاً.
ومع هذا الألم تتفاقم المأساة بفعل غياب الأفق فالحرب مستمرة بلا نهاية واضحة، والمجتمع الدولي يكتفي بالتصريحات بينما يزداد عدد الضحايا والمصابين يوماً بعد يوم في كل خيمة مهترئة قصة وفي كل شارع صرخة لكن لا أحد يسمع.
▪︎ أرقام كارثية وإحصائيات صادمة
أحدث خلاصات لجنة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أن ما لا يقل عن 21 ألف طفل في غزة يعانون إعاقات منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م ، وإن أكثر من 40,500 طفل تعرّضوا لإصابات حرب جديدة خلال نحو عامين نصفها إعاقات دائمة.
وأكثر من 83% من الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة فقدوا أجهزتهم المساعدة كالكراسي المتحركة والمعينات السمعية وبطارياتها والمشايات والعكازات والدعامات والأطراف الصناعية أدوات مزدوجة الاستخدام وبالتالي أفادت لجنة الأمم المتحدة بأن آلاف الأجهزة المساعدة ومواد التأهيل الأساسية عالقة عند المعابر بما فيها أكثر من3,330 كرسياً متحركاً.
▪︎ انعكاسات مجتمعية
الإعاقات المتزايدة تترك أثراً بالغاً على المجتمع الغزي بأسره فالأطفال المصابون يفقدون فرصهم في التعليم والشباب يفقدون إمكانية العمل والأسر تُثقل بأعباء رعاية يومية تفوق قدرتها هذا الواقع يهدد بخلق أزمة اجتماعية طويلة الأمد حيث تتحول الإعاقة الفردية إلى إعاقة مجتمعية تطال كل جوانب الحياة.
▪︎ غياب الأفق السياسي
تزداد معاناة ذوي الإعاقة في غزة قسوةً مع اشتداد الحرب حيث تتحول حياتهم اليومية إلى صراع مستمر للبقاء وابسط تفاصيلها تحدياً هائلاً البنية التحتية المدمرة ونقص الخدمات الصحية والأجهزة التعويضية تجعلهم أكثر عرضة للخطر، والكثير منهم يعتمدون على الرعاية اليومية من أفراد الأسرة وغالباً ما يجدون صعوبة في الوصول إلى الأماكن الآمنة أو المراكز الصحية أثناء الغارات ومع قصف المنازل ونقص الخدمات الأساسية يصبح تأمين هذه الرعاية شبه مستحيل أطفال ونساء وذوو الإعاقات الحركية أو الحسية يواجهون خوفاً دائماً من الفقدان والعزلة في ظل غياب وسائل النقل والمرافق الملائمة للطوارئ ، فمع تزاد الإصابات والإعاقات في صفوف مصابي الحرب تبقى الحلول عاجزة عن الوصول والدعم الدولي محدوداً والقرارات السياسية غير كافية لوقف النزاع أو توفير برامج إعادة التأهيل المستدامة.
▪︎ الإخلاء الغير متاح
تواجه فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة كابوساً خلال أوقات الحرب حيث تكون عمليات أوامر الإخلاء والرسائل التحذيرية غير مهيّاة للأشخاص ذوي الإعاقات السمعية والبصرية والحركية ما جعل تأمين الأمان لهم مهمة شبه مستحيلة هذه المعاناة اليومية تضاعف شعورهم بالعجز والخطر وتجعلهم أكثر عرضة للإصابات أو فقدان الحياة في ظروف لا رحمة فيها.
تبقى معاناة ذوي الإعاقة في غزة مرآة حقيقية لمدى هشاشة المجتمع في ظل الاحتلال والحروب المتكررة فهؤلاء الأفراد رغم صعوباتهم اليومية يواصلون الصمود ويطلبون أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة الرعاية الصحية والتعليم وإعادة التأهيل ، إن تسليط الضوء على قصصهم ليس مجرد واجب إنساني بل دعوة عاجلة للمجتمع الدولي والمؤسسات المحلية للعمل بجدية لتوفير الحماية والدعم اللازم وضمان أن لا تتحول الإعاقة في ظل النزاع إلى مضاعفة لمعاناة الإنسانية بأكملها.
- – آمنة الدبش – صحفية وناشطة نسوية غزة – فلسطين .