3:26 مساءً / 1 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

” من واتساب إلى البوابة الحديدية ، الجغرافيا اليومية للفلسطيني ” ، بقلم : د. عمر السلخي

“من واتساب إلى البوابة الحديدية: الجغرافيا اليومية للفلسطيني” ، بقلم : د. عمر السلخي

في كل صباح، وقبل أن يحتسي قهوته أو يُعدّ حقيبته، يُمسك الفلسطيني بهاتفه ليتفقد الرسائل في مجموعات “الواتس اب” المحلية: هل حاجز “الكونتينر” مفتوح؟ هل جنود الاحتلال أغلقوا البوابة الحديدية على مدخل قراوة بني حسان او المدخل الشمالي لمدينة سلفيت؟ هل هناك انتشار عسكري مفاجئ في الشارع الالتفافي؟ هذه ليست مجرد أسئلة عابرة، بل مدخل ضروري لأي قرار يومي بسيط — الذهاب إلى العمل، زيارة قريب، الوصول إلى المستشفى، أو حتى التسوق.

حواجز لا تُعدّ ولا تُحصى

رغم أن الحواجز هي أحد أبرز معالم الاحتلال في فلسطين، إلا أن طبيعته المرنة والمتغيرة تجعلها أكثر إرباكًا من مجرد نقاط تفتيش ثابتة. فإلى جانب نحو 100 حاجز دائم في الضفة الغربية، هناك مئات “الحواجز الطيّارة” التي يمكن أن تظهر فجأة في أي وقت، دون سابق إنذار، وتختفي بعدها بساعات.

هذه الحواجز ليست فقط عقبات مادية في الطريق، بل أدوات لإخضاع الجغرافيا والسيطرة على السكان. قد يُطلب من السائقين الانتظار لساعات، أو العودة أدراجهم، أو الخضوع لتفتيش دقيق ومهين، فقط لأن “الضابط المسؤول لم يصدر التعليمات بعد”، او لان مزاج الجندية او الجندي يريد ذلك.

مجموعات واتساب: خارطة طريق بديلة

مع فقدان أي وسيلة رسمية لمعرفة حالة الطرق، أصبحت مجموعات واتساب المنتشرة في القرى والمدن وسيلة الفلسطينيين الأهم في تحديد خط سيرهم اليومي. في هذه المجموعات، يتناقل السائقون وسكان المناطق المعلومات لحظة بلحظة، وينشرون صورًا للحواجز، عدد الجنود، وطبيعة الإجراءات.

هي شبكة أهلية فعّالة، لكنها في الوقت نفسه تعكس مأساة الاعتماد على البدائل غير الرسمية في ظل غياب السيادة.

الراديو كأداة للبقاء

الإذاعات المحلية، خاصة في مناطق مثل رام الله والخليل ونابلس، باتت تبث نشرات مرورية كل ساعة تتضمن معلومات عن الطرق والحواجز. في مشهد يذكّر بنشرات الطقس، يحدد المذيع إن كان “حاجز زعترة سالكًا” أو “بوابة عزون مغلقة”، او بوابة ياسوف مفتوحة مع تفتيش دقيق، او المربعه ازمة في الدخول وسالكه للخروج ، هذه النشرات ليست رفاهية، بل ضرورة حياتية تُمكّن الفلسطيني من النجاة من التعطيل أو الخطر.

البوابات الحديدية: أدوات عزل جماعي

في السنوات الأخيرة، كثّف الاحتلال من استخدام “البوابات الحديدية” التي تُغلق مداخل القرى والبلدات الفلسطينية بشكل مفاجئ ودون إنذار. فيمحافظة سلفيت مثلا والتي فيها 18 تجمع فلسطيني وصل عدد البوابات الى 27 بوابة حديدية ، منها ما تم اغلاقه منذ السابع من اكتوبر ولم يتم فتحها مثل مدخل كفرالديك الغربي ، ومنها ما يفتح بشكل متقطع او بوجود تفتيش ، يمكن أن تُغلق قرية كاملة، ويُمنع أهلها من الدخول أو الخروج، لأيام أو أسابيع، فقط كردّ على حدث في منطقة مجاورة أو “كعقوبة جماعية”.

في مثل هذه الحالات، حتى سيارات الإسعاف تُجبر على التفاوض أو الالتفاف لعشرات الكيلومترات للوصول إلى المرضى، ما يؤدي أحيانًا إلى تأخير قاتل.

حياة مؤجلة

“لا يمكنك أن تخطط ليومك في فلسطين”، ففي أي لحظة يمكن أن تجد الطريق مغلقًا، أو الحاجز مزدحمًا، أو الجنود يطلبون منك العودة، الحياة هنا تُدار بنظام الطوارئ.

الحواجز لا تعرقل الحركة فقط، بل تؤثر على الاقتصاد، التعليم، الصحة، والعلاقات الاجتماعية. التأخر عن العمل، ضياع الحصص الدراسية، وفقدان المواعيد الطبية ليست حوادث فردية، بل نمط حياة مفروض بقوة الاحتلال.

الحواجز في فلسطين ليست مجرد مواقع عسكرية على الطرق، إنها بنية تحتية للاحتلال، تستخدم لتقييد الحركة، كسر الإرادة، وإعادة تشكيل الجغرافيا والسيادة لصالح القوة المحتلة. وبينما يتطور العالم في أنظمة النقل الذكية، لا يزال الفلسطيني يعتمد على هاتفه ليتفادى حاجزًا قد يغير مجرى يومه… أو حياته، ويبقى الفلسطيني صاحب اراده لاتكسر وقادر على الابتكار لتجاوز العقبات والتحديات لانه شعب الجبارين.

شاهد أيضاً

السفير تسنغ جيشين سفير جمهورية الصين الشعبية لدى دولة فلسطين.

عباس زكي ينقل تهنئة الرئيس محمود عباس إلى الرئيس الصيني بالذكرى الـ 76 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية

شفا – سلم عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” والمفوض العام للعلاقات العربية والصين الشعبية، عباس …