1:01 صباحًا / 28 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

رام الله ، … مدينة القلب والذاكرة ، بقلم : رانية مرجية

رام الله ليست مجرد مدينة تُسجَّل على الخرائط، بل هي وجدان يتنفس، قصيدة مكتوبة بالحجارة والناس، وأغنية تعيدنا إلى جذورنا مهما ابتعدنا. وحين أكتب عن رام الله، أكتب عني، عن العائلة، عن الدفء الذي ألقاه في كل زيارة لأخوالي وخالتي، عن البيت الذي يفتح ذراعيه لي مهما ضاقت الدنيا.

شوارع رام الله… ذاكرة تمشي

في شوارعها: ركب، القدس، الإرسال، تختلط رائحة الخبز الطازج بصوت الباعة وضحكات الأطفال. هناك، يظلّ المشي فعل حبّ للمدينة، لأن كل حجر، كل زاوية، تحفظ في قلبها ذكرى وصدى خطوات.

مقهى “شيشا” في الطيرة… ليل آخر للمدينة

وعندما يهبط الليل، تبدأ رام الله بالبوح في مقاهيها. وفي مقهى “شيشا” في الطيرة، يتجسّد المشهد وكأنه مسرح حيّ.

تجلس الطاولات متقابلة كأنها منصات للحوار، على كل منها أرجيلة تتصاعد منها سحابات دخان كثيفة، تلتفّ في الهواء مثل أفاعٍ من نور، أو مثل أبيات قصيدة غير مكتملة تبحث عن قافيتها. الشباب يضحكون بأصوات عالية، يمررون النرجيلة من يد إلى أخرى كأنهم يتشاركون سرًا قديمًا. في الزوايا، يجلس عشاق يتهامسون، وأمامهم كأس شاي بالنعناع، بينما موسيقى خافتة تنساب من سماعات صغيرة: أحيانًا فيروز، وأحيانًا أغنية وطنية قديمة.

النادل يتحرك بين الطاولات بخفة، يبدّل الفحم المشتعل كمن يحافظ على شعلة أبدية لا يجوز أن تنطفئ. أصوات الزجاج المتصادم في الأرجيلة تمتزج مع رنين الضحكات، ومع أصوات النقاشات السياسية الحادة، حيث يتنقّل الحديث من الشعر إلى القدس، ومن كرة القدم إلى الحلم الفلسطيني الكبير.

في “شيشا”، يصبح الدخان جسراً بين الأرواح، وتصير الأرجيلة طقسًا جماعيًا يشبه صلاة ليلية غير معلنة. هناك، لا أحد غريب. فكل من يجلس حول الأرجيلة جزء من حكاية المدينة، من ليلها الذي يرفض أن ينام، ومن ذاكرة تمتد مثل خيط نور في العتمة.

المتاحف… حفظ الذاكرة

متحف محمود درويش يظل شاهدًا على أن الشعر قد يتحوّل إلى وطن. هناك، يجاور قبر الشاعر قلوب زواره، فيما تتردد كلماته بين الجدران: على هذه الأرض ما يستحق الحياة. في المتحف الفلسطيني ببئرزيت، تتنفس العمارة الحديثة حكايات قديمة، وتستدعي الذاكرة لتعيش الحاضر. أما “السرية”، سرية رام الله، فهي ليست مجرد نادٍ، بل صرح اجتماعي وثقافي ورياضي، حيث تتربى أجيال على الانتماء والهوية.

المساجد والكنائس… تناغم الأرواح

في جامع البيرة الكبير، يرتفع الأذان كدعاء مفتوح للسماء. في كنيسة اللاتين والأقباط، ترتيلٌ ينساب بسلام، وفي كنيسة الأرثوذكس قرب دوار المندلية، الأيقونات تضيء بألوانها الذهبية لتقول إن الحضور المسيحي في المدينة عريق وعصيّ على المحو. هناك، في هذا التنوع الروحي، تتحول رام الله إلى مكان يذوب فيه الهلال مع الصليب في لحن واحد.

مقبرة ياسر عرفات… الضريح الذي لا يصمت

في قلب رام الله يرقد ياسر عرفات في ضريح أبيض متواضع، لكنه يحمل ثقل التاريخ كله. الزوار يقفون أمامه وكأنهم يحاورون رمزية رجل لم يغادر ذاكرة الوطن. الضريح ليس مجرد قبر، بل هو شهادة على أن الحلم لا يموت.

دوار المنارة… أسود تحرس الذاكرة

في وسط المدينة، يقف دوار المنارة بأسوده الأربعة. تماثيل صامتة لكنها ناطقة بتاريخ طويل: هتافات، مسيرات، أفراح، ودموع. المنارة قلب رام الله، ملتقى الناس جميعًا، رمزها الذي لا يشيخ.

رام الله… بيت وعائلة

رام الله بالنسبة لي ليست مجرد مدينة، إنها بيت. ففيها أخوالي وخالتي، وفي كل لقاء معهم أستعيد شيئًا مني، شيئًا من الجذر، من الهوية، من الوطن الذي لا يُمحى. معهم أشعر أن رام الله ليست مكانًا فحسب، بل حضنًا، عائلة، ذاكرة تنبض.

رام الله تعرف كيف تحتضن كل شيء: الشارع والمقهى، الأذان والأجراس، المتاحف والميادين، العائلة والأصدقاء، القهوة والأرجيلة. إنها مدينة لا تعيش فقط في المكان، بل في القلب، في الذاكرة، في كل نفس دخان يتلوى من أرجيلة في مقهى شيشا ويصعد عاليًا، كأنه يحمل معه حلمًا واحدًا: الحرية

شاهد أيضاً

اللواء محمد الخطيب يوقع مذكرة تفاهم مع مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن لتعزيز مبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون

اللواء محمد الخطيب يوقع مذكرة تفاهم مع مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن لتعزيز مبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون

شفا – عقد اليوم في مقر جهاز الاستخبارات العسكرية اجتماع موسع ضم وفداً من مركز …