
أطفال بلا لقمة: مأساة المجاعة تتجذر في غزة ، بقلم : د. منى ابو حمدية
في غزة … حيث تتشابك الأنقاض مع صمت الأيام
يقف الأطفال وجوههم مشرقة بالأمل، وقلوبهم مثقلة بالجوع
بطونهم خاوية وعيونهم تروي حكايات لم يكتبها أحد
حكايات الألم الذي لا يسمعه إلا قلب الإنسان الذي يرفض أن يغلق عينيه عن الحقيقة
هنا في غزة .. حيث أصبح الخبز سرابًا، والماء العذب وعدًا، يتسرب بين الأصابع كما يتسرب الضوء الخافت من بين شقوق الدمار.
الجوع في غزة ليس مجرد فقدان للطعام؛ إنه طيف لئيم يلاحقهم في كل لحظة
يكتب على وجوههم خطوط المعاناة قبل أن تعرفها الشفاه
كل وجبة مفقودة تقلم جناح الطفولة،
وتزرع بذور الألم في أرواح صغيرة كانت تستحق الضحك واللعب والحرية.
الأطفال يتعلمون منذ الصغر لغة الصبر، ولغة الصمت التي تسبق الصرخات المكتومة، ويلمسون بيدين نحيلتين أي بصيص أمل كما يتلمس العطشان قطرة ماء في وادٍ قاحل
الليل في غزة أطول من أي حلم
والنهار أكثر قسوة من أي جرح
كل شارع هنا يحكي قصة مأساوية،
كل منزل يئن تحت وطأة الصمت والحرمان، وكل نافذة تُطل على وجوه صغيرة تبحث عن الحياة كما يبحث الظمآن عن واحة خفية.
الأطفال هنا أصبحوا رسلًا للحقيقة،
يختبرون قوة الروح في مواجهة الواقع القاسي، ويحملون في صمتهم كل ما لم يسمعه العالم بعد.
الأم هي الحاضنة الشاهدة على الألم، لا تعرف النوم يا سادة
يلاحقها صدى بطون أطفالها الفارغة،
تبحث في كل زاوية عن لقمة صغيرة تزيح عن قلوبهم ثقل الجوع، وعن روحهم غشاوة الألم.
اما الطفل …. ذاك الصغير الذي كان من المفترض أن يركض بين الألعاب ويضحك من القلب، أصبح مراقبًا للصمت، مستمعًا للوجع قبل أن يعرف معنى الطفولة.
الغذاء هنا …. ليس مجرد طعام،
بل صار رمزًا للأمل.
كل لقمة يجدها الطفل تُعيد له الحياة،
تُعيد له أحلامه الصغيرة المسلوبة.
وكل وجبة مفقودة تترك أثرها على الجسد والروح معًا، كجرح لا يندمل،
كظل دائم يلوح فوق الأرواح الصغيرة،
يسرق البراءة ويزرع الخوف في قلوب لم تعرف الشر بعد.
أطفال غزة يعيشون بين الظلال،
بين الجوع والخوف،
بين الانتظار واليأس.
اما عن العالم … يمرّ متفرجًا،
يسمع عن المأساة في تقارير جامدة،
بينما القلوب هنا تنزف، والعيون تتألم، والأجساد الصغيرة تتراجع أمام قسوة الواقع.
كل طفل بلا لقمة هو صرخة للضمير،
نداء خافت لكل من يؤمن بأن الحياة لا يجب أن تكون حربًا ضد الجوع،
وأن كل لحظة تأخير هي لحظة إضافية من الألم الذي لا يُمحى.
المجاعة هنا ليست مجرد أرقام،
ليست مجرد بيانات في تقارير أممية، بل حياة معلقة، صرخات في الظلام، وأمل يتشبث بخيط رفيع من الإنسانية.
كل يوم يمضي هو فصل جديد في كتاب الألم،
وكل لحظة تأخير في إنقاذ هؤلاء الأطفال
هي مساهمة صامتة في استمرار مأساة الطفولة وتجويع الصغار
غزة … المدينة التي رفضت الاستسلام، تحمل اليوم عبء مأساة أطفالها،
المدينة التي كانت يومًا مرآة للحياة،
أصبحت اليوم مرآة للمعاناة.
في كل بيت، في كل زقاق، في كل عين صغيرة،
تختبئ قصة طفل بلا لقمة،
قصة طفولة سرقت منها أبسط حقوقها: لقمة، مأوى، حلم.
وفي النهاية، غزة ليست مجرد مكان،
بل صرخة للضمير الإنساني،
رمز لكل طفل حُرم من أبسط حقوقه،
شهادة حية على أن المجاعة ليست مجرد فقدان للطعام،
بل فقدان للبراءة، للحرية، وللمستقبل الذي يستحقه كل إنسان صغير على هذه الأرض.
وكل لقمة تُعطى هنا ليست مجرد طعام،
بل شعاع حياة، وبصيص أمل، ورسالة للعالم بأن الأطفال لا يجب أن يكونوا ضحايا المعاناة، وأن كل طفل يستحق الضحك، اللعب، والأمان، مهما كانت الظروف قاسية.
غزة اليوم تُخبرنا بأن الإنسانية ليست مجرد كلمات في كتب التاريخ أو تقارير الأمم المتحدة،
بل أفعال حقيقية، قلوب حية، وأيادٍ تمتد لتملأ البطون الخاوية وتعيد الضوء إلى العيون الصغيرة.
أطفال بلا لقمة هنا ليسوا أرقامًا،
بل حكايات تنتظر أن يُسمع صداها،
قصص تختنق في صمت،
وتنتظر من العالم أن يفتح قلبه،
قبل أن تُمحى أحلامهم إلى الابد.
: د. منى ابو حمدية / أكاديمية و باحثة