12:27 مساءً / 4 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

الهجوم الاستيطاني الممنهج على الضفة الغربية ، محافظة سلفيت كنموذج ، بقلم : د. عمر السلخي

الهجوم الاستيطاني الممنهج على الضفة الغربية : محافظة سلفيت كنموذج ، بقلم : د. عمر السلخي

منظومة استيطانية تعمل كخلية نحل

في تسارع واضح لجهود المستوطنين، وبكل أطيافهم، يعملون كمنظومة منظمة ضمن خطة استراتيجية متفق عليها مسبقًا، وبدعم كامل من الحكومة الإسرائيلية، لتهويد الضفة الغربية عمرانياً وبصرياً ومعنوياً، هذه المنظومة تضم وزراء وأعضاء كنيست، رؤساء مجالس إقليمية، حركات ومنظمات، مزارعين، عائلات شابة، وحتى الأطفال، في عمل متواصل ليلًا ونهارًا بهدف السيطرة المطلقة على الأرض والموارد.

البنية التحتية كأداة جاذبة

أنشأ المستوطنون بنية تحتية متطورة على الطراز الغربي، لتشجيع المستثمرين على إقامة مشاريع صناعية وزراعية وسكنية، وتحفيز المستوطنين على الانتقال للعيش في الضفة الغربية ، كما تنتشر الرموز الدينية اليهودية – من نجمة داوود والأعلام الإسرائيلية إلى الشمعدان ورموز الأسباط – في الشوارع والتلال والمطلات، لتغيير الهوية البصرية للبلاد وفرض سردية الاحتلال.

تسويق “يهودا والسامرة” للعالم

رؤساء المجالس الاستيطانية يعملون على ترسيخ فكرة “العودة إلى الجذور” في ما يسمونه “يهودا والسامرة”، في وعي السياسيين الأجانب. الأمثلة على ذلك كثيرة، منها زيارة وزير خارجية جنوب السودان إلى مستوطنة “بيدوئيل” في محافظة سلفيت، بدعوة من رئيس مجلس مستوطنات السامرة يوسي داغان، في منطقة يطلق عليها المستوطنون اسم “شرفة الدولة” لقربها من الساحل الفلسطيني ومطار اللد، ولأهميتها الأمنية في نظر الاحتلال.

رسائل الزيارات السياسية

لم تكن زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي جاك جونسون إلى مستوطنة “أرئيل” مجرد جولة سياحية أو دينية، بل جاءت في توقيت يتزايد فيه الحديث عالميًا عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، اختيار أرئيل كان مقصودًا لإبراز التطور العمراني والخدماتي في المستوطنات – من مراكز شرطة وجامعات وحدائق، إلى مدارس وشبكات نقل ومياه – بهدف إقناع السياسين الزائرين بدعم مشروع الضم.

توسع استيطاني وإغلاقات ممنهجة

محافظة سلفيت تمثل النموذج الأوضح لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، إذ تجثم على اراضيها 24 مستوطنة إضافة إلى ١٠ بؤر استيطانية يجري توسيعها تدريجيًا تمهيدًا لشرعنتها.

الجرافات تعمل ليل نهار في سباق مع الزمن على توسعه وتسمين المستوطنات وعمليات مصادرة في كافة اراضي المحافظة ، هذه المصادرات لم تقتصر على البناء العمراني، بل شملت أيضًا إقامة شبكة طرق استيطانية بطول يزيد عن 50 كيلومترًا، معظمها يمنع الفلسطينيون من استخدامها، وتربط المستوطنات الكبرى مثل أرئيل وبيدوئيل وعلي زهاف بالمركز الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك، تنتهج سلطات الاحتلال سياسة الإغلاقات والحواجز الدائمة والمؤقتة من خلال ٢٧ بوابة حديديه على مداخل القرى والبلدات الفلسطينية ، ما يؤدي إلى عزل القرى الفلسطينية عن بعضها، وتقليص فرص التواصل الجغرافي والاقتصادي، في مقابل تكامل المستوطنات وتوسعها العمراني والزراعي. البؤر الاستيطانية، التي تبدأ عادة بعدد قليل من البيوت المتنقلة (الكرافانات)، تتحول سريعًا إلى تجمعات ثابتة، في تكرار لسياسة فرض الأمر الواقع.

محافظة سلفيت… كلمة السر

ما بين زيارة وزير خارجية جنوب السودان لـ”بيدوئيل” وزيارة جاك جونسون لـ”أرئيل”، تتكشف حقيقة أن محافظة سلفيت تمثل اساس مهم و استراتيجي في المخطط الاستيطاني، حيث تجتمع أكبر الكتل الاستيطانية، وتُختبر فيها كل أدوات الاحتلال لفرض واقع لا رجعة فيه، في محاولة لقطع الطريق أمام أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وقابلة للحياة.

المشهد في محافظة سلفيت اليوم يعكس صورة مكثفة لما يجري في الضفة الغربية بأكملها: توسع عمراني استيطاني، شبكات طرق معزولة، سيطرة على الموارد، ومحاولات حثيثة لتغيير الهوية البصرية والسردية التاريخية للأرض.
لمواجهة هذا الواقع، هناك حاجة إلى:

تحرك دبلوماسي فلسطيني مكثف يستهدف العواصم المؤثرة، مع عرض خرائط وبيانات دقيقة عن التوسع الاستيطاني وأثره على حل الدولتين.

تعزيز العمل الميداني لمواجهة البؤر الاستيطانية في مراحلها الأولى قبل أن تتحول إلى مستوطنات قائمة.

تفعيل القانون الدولي عبر المحاكم الدولية، خصوصًا في ملف مصادرة الأراضي والتهجير القسري.

توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية سياسيًا وشعبيًا، ومقاومة الوقائع المفروضة على الأرض.

إن استمرار هذا النهج الإسرائيلي في ظل غياب تحرك شعبي وجماهيري وردع سياسي وقانوني جاد، يعني أننا أمام سباق مع الزمن، حيث تُرسم خرائط مستقبل فلسطين على الأرض قبل أن تُرسم على طاولة المفاوضات.

شاهد أيضاً

وزيرة الخارجية والمغتربين بدولة فلسطين تلتقي نظيرها الكويتي

شفا – التقت وزيرة الخارجية والمغتربين بدولة فلسطين، د. فارسين اغابكيان شاهين، مع وزير خارجية …