
حين تتحوّل الحقيقة إلى وهم مغلّف ، بقلم : رانية مرجية
“انثر ما شئت من أحلامك في سمائي، لكن إياك أن تبيعني وهماً بثوب الحقيقة.” — بهذه العبارة المكثفة، تُطلق الشاعرة هويده عبد العزيز صرخة وعي ورفض، تختصر فيها تجربة إنسانية مألوفة في الحب، والصداقة، وفي كل علاقة تقوم على الثقة المتبادلة. إننا أمام نص قصير في حجمه، لكنه عميق في أثره، يمزج بين الرهافة العاطفية والصرامة الفكرية، ويقف على الحد الفاصل بين الحلم الصادق والوهم المضلّل.
الحلم، في جوهره، ليس رفاهية ولا ترفًا شعوريًا، بل هو أحد أعمدة الوجود الإنساني. إنه الفضاء الذي نتنفس فيه أمل الغد، ونتجاوز من خلاله قسوة الواقع. لكن هذا الحلم يفقد معناه إن لم يكن حقيقيًا في نواياه وأصوله. فالسماء التي تسمح لغيرك بأن ينثر فيها أحلامه، هي فضاء ثقتك، ومساحة نقائك، وإذا لوّثها الوهم، فإنه لا يجرح اللحظة فحسب، بل يهزّ بنيان الإيمان بالآخرين.
على المستوى النفسي، النص يلامس منطقة حساسة في التجربة الإنسانية: الحاجة إلى الإلهام مقابل الخوف من الخيانة الشعورية. فالوهم المغلّف بالحقيقة يزرع في النفس اضطرابًا أعمق من الكذب المباشر، لأنه يربك القدرة على التمييز بين ما هو صادق وما هو مفتعل، ويولّد ما يسميه علماء النفس بـ”فقدان الأمان العاطفي”، وهو شعور قد يرافق الإنسان طويلاً بعد اكتشاف الخداع.
أما من الزاوية الفلسفية، فنحن أمام موقف أخلاقي واضح: الإبداع والحلم مسؤولية، ومن يمنح الآخر وعدًا أو رؤية، عليه أن يتحمّل تبعاتها. فالوهم الموشّى بملامح الحقيقة ليس مجرد خطأ في التقدير، بل هو اعتداء على وعي المتلقي، لأنه يسلبه حقه في اتخاذ موقف مبني على معرفة كاملة بالواقع. وهذا يتقاطع مع ما قاله سقراط عن أن “الحقيقة، وإن كانت مُرة، فهي السبيل الوحيد لتحرير الروح”.
هويده عبد العزيز، في ومضتها هذه، تحفر في صخر الصدق الإنساني، وتضع حدودًا فاصلة بين العطاء النبيل والاستغلال العاطفي. إنها تقول بوضوح: أعطني حلمك كما هو، حتى لو كان صغيرًا أو هشًّا، ولا تكسوني بثوب من الزيف يبهت مع أول ضوء للحقيقة. فهي بذلك تدعو إلى أن نحافظ على نقاء السماء التي نتشاركها مع الآخرين، وأن نكون حراسًا لصفاء الحلم من أن تدنسه يد الخداع.