
شفا – كَرّمَ منتدى عكاظ، مساء يوم أمس السبت في حديقة بيت الشاعر ناظم حسون، في شفاعمرو، باصدارين جديدين للعلامة الأديب، والشاعر عبد الرحيم الشيخ يوسف، هما: “جولات في بساتين بنت عدنان”، وصفحات من الذكريات_ سيرة ذاتية
وتولى العرافة الشاعر عناد جابر، بالاضافة لمداخلات لكل من الكاتب الأديب ناجي ظاهر والشاعرة الباحثة إيمان مصاروة، إضافة إلى شيخ عكاظ المفكر عبد الرحيم الشيخ يوسف بحضور عدد كبير من المهتمين بهذه الاحتفالية التي اختتمها
المحتفى به وشكر كل من حضر وساهم بانجاح هذه الأمسية التكريمية
وجاءت مداخلة الباحثة ايمان مصاروة والموسومة ب “تَجَلِّيَاتُ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ فِي أَعْمَالِ الأديب عَبْد الرَّحِيمِ الشَّيْخ يُوسُف “
تَتَمَيَّز “الأَعْمَال الشِّعْرِيَّة الكَامِلَة” لِلشَّاعِرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الشَّيْخِ يُوسُف بِثَرَاءٍ وَتَنَوُّعٍ لَافِتَيْنِ، حَيْثُ تَنَاوَلَتْ مَوْضُوعَاتٍ مُختَلِفَة مِنَ العَائِلَةِ إِلَى الأَنَاشِيدِ مُرُورًا بِالوَطَنِ وَالمَدَائِحِ وَالمَرَاثِي وَالغَزَلِ. وتَنَوَّعَتْ أَشْكَالُهَا بَيْنَ القَصِيدَةِ التَّقْلِيدِيَّةِ وَالتَّفْعِيلَةِ وَالقَصِيدَةِ النَّثْرِيَّةِ، مِمَّا أَثْرَى تَجْرِبَتَهُ الشِّعْرِيَّة.
وأما خَصَائِص الصُّورَة الشِّعْرِيَّة عِنْدَ الشاعر عبد الرحيم الشَّيْخ يُوسُف فهي:-
1- يَعْتَمِدُ الشَّاعِرُ عَلَى لُغَةٍ شِعْرِيَّةٍ ثَرِيَّةٍ وَتَرَاكِيبَ مُبْتَكَرَةٍ
2- صُوَر مُوحِيَة تَسْتَمِدُّ قُوَّتَهَا مِنَ الطَّبِيعَةِ وَالذَّاتِ الإِنْسَانِيَّةِ
3- تَوْظِيف الأَسَالِيبِ البَلَاغِيَّة المُتَنَوِّعَة فِي بِنَاءِ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ
4- تَتَجَلَّى قُدْرَتُهُ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنِ المَشَاعِرِ الإِنْسَانِيَّةِ فِي قَصَائِدَ مِثْل: “أَنَا” وَ”أُمّ بَشِير” وَ”بُطُولَةِ أُمّ”، حَيْثُ يَرْسُمُ صُوَرًا حَيَّةً لِلْحُبِّ وَالوَفَاءِ وَالتَّضْحِيَةِ….
الأَسَالِيب الفَنِّيَّة فِي تَشْكِيلِ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ
الانْزِيَاحَاتُ اللُّغَوِيَّةُ
كَمَا فِي قَوْلِهِ: “هَلْ أَنْتِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ الصَّبْرِ أَوْ مَعْنَى التَّحَدِّي؟”، حَيْثُ يَجْعَلُ الصَّبْرَ شَيْئًا مَادِّيًّا لَهُ حُدُودٌ
- التَّشْبِيهَاتُ المُتَنَوِّعَةُ
يَقُولُ: “أَنْتِ الأَنَا وَأَنَا كَأَنْتِ، رَمْزُ الهَنَاءِ بِلَا رِيَاءْ”، مُسْتَخْدِمًا التَّشْبِيهَ البَلِيغَ وَالتَّشْبِيهَ بِالأَدَاةِ….
كَمَا فِي قَصِيدَةِ “بُطُولَةِ أُمّ”. التَّكْرَارُ وَالإِيقَاعُ الدَّاخِلِيُّ
“نَحْنُ عَلَى العَهْدِ الْتَقَيْنَا
نَحْنُ إِلَى الأَصْلِ سَمَوْنَا
نَحْنُ إِلَى الرَّبِّ اهْتَدَيْنَا”
: يَظْهَرُ فِي قَصِيدَةِ “عَاصِفَةِ السِّنْدِبَاد”ِ الرَّمْزِيَّةُ وَالتَّنَاصُ
“سَارَ كَمَا سَارَ كِلْكَامِشْ وَأَنْكِيدُو إِلَى غَابَةِ الأَرْزِ”
مَعَ تَوْظِيفِ التَّنَاصِّ القُرْآنِيِّ: “وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ….”.
وَظَائِفُ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ فِي أَعْمَالِ الشاعر عبد الرحيم الشيخ يوسف:
1- التَّعْبِيرُ عَنِ القَضَايَا الوَطَنِيَّةِ: كَمَا فِي قَصَائِدِ “الشَّهِيدِ” وَ”مَحْمُودُ دَرْوِيشَ فَيْلَسُوفُ الوَطَنِيَّةِ”
2- نَقْلُ التَّجْرِبَةِ الفَلْسَفِيَّةِ: مِثْلُ قَصِيدَةِ “الوَرَقَةِ الغَاضِبَةِ” الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ قَضَايَا العَدْلِ وَالحُرِّيَّةِ
3- تَعْمِيقُ التَّوَاصُلِ العَاطِفِيِّ: مِنْ خِلَالِ صُوَرٍ حِسِّيَّةٍ تَجْعَلُ القَارِئَ يَعِيشُ التَّجْرِبَةَ الشِّعْرِيَّةَ
4- خَلْقُ تَجَارِبَ شُعُورِيَّةٍ غَنِيَّةٍ: تُلَامِسُ وِجْدَانَ المُتَلَقِّي وَتُحْدِثُ فِيهِ أَثَرًا عَمِيقًا
تَكْمُنُ قُوَّةُ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ عِنْدَ الشَّيْخِ يُوسُفَ فِي قُدْرَتِهَا عَلَى تَحْوِيلِ المَعَانِي المُجَرَّدَةِ إِلَى تَجَارِبَ حِسِّيَّةٍ مَلْمُوسَةٍ، وَتَحْفِيزِ خَيَالِ القَارِئِ لِلتَّفَاعُلِ مَعَ النَّصِّ بِعُمْقٍ، مِمَّا يَجْعَلُ أَعْمَالَهُ تَجْرِبَةً شِعْرِيَّةً فَذَّةً تَسْتَحِقُّ الدِّرَاسَةَ وَالتَّأَمُّلَ…
الصورةُ الشعريةُ في شعرِ عبدِ الرحيمِ الشيخ يوسف…
تتجلَّى الصورة الشعرية في أعمالِ الشاعرِ عبدِ الرحيمِ الشيخِ يوسف بوصفِها أداةً فنيةً رئيسيةً تعكسُ رؤيتَهُ للعالمِ وتجسِّدُ تجاربَهُ الإنسانية، فالشاعرُ يوظِّفُ الانزياحَ بنوعَيهِ الدلاليِّ والتركيبيِّ، ويستثمرُ الصورَ الحسيةَ المتنوعةَ، معَ استخدامٍ بارعٍ للتناصِّ، ليخلقَ نصوصاً شعريةً ثريةً ومؤثرةً…..
الانزياحُ الدلاليُ والصور البلاغية
يعتمدُ الشاعر على الانزياحِ الدلاليِّ (الاستبداليِّ) بشكلٍ أساسيٍّ، حيثُ يخرجُ بالألفاظِ عن معانيها المعياريةِ إلى دلالاتٍ جديدةٍ. تبرزُ الاستعارةُ المكنيةُ كأداةٍ رئيسيةٍ في شعرِهِ، كما في قولِهِ: “هتفَتْ تُنادي في الرُّؤى… عُمقَ الجذورْ” و”راحَتْ تُناغي النَّفْسَ بالإِيمانِ في دِفءِ الْحَقائقْ”، حيثُ يمنحُ الأفكارَ والمشاعرَ صفاتٍ إنسانية
كذلكَ يوظِّفُ التشبيه بأنواعِهِ، خاصةً التشبيه البليغَ الذي يكثِّف المعنى ويعمِّقُه، مثلَ: “أَنتِ ربيعي” و”أَنتِ جميعي”، إضافة إلى التشبيهاتِ باستخدامِ أدواتٍ مختلفة كالكافِ مثل: وكأنَّ….
الانزياح التركيبيُ
يتجلَّى الانزياح التركيبيُ في تقنياتِ التقديمِ والتأخيرِ، كتقديمِ شبهِ الجملةِ على المفعولِ بهِ في قولِهِ: “تركْـــــتَ وراءك الأحـــــزانَ فــيــــنـــا”، وتقديمِ شبهِ الجملةِ على الفاعلِ: “وَدَوَّنَ يَـــوْمَهـــــــا الـتّـــاريـــــخُ سِفْـــــرًا”، ممَّا يخلقُ إيقاعاً خاصاً ويعزِّزُ المعنى المقصود…
الصورُ الحسيةُ : تتنوعُ الصورُ الحسيةُ في شعرِ الشيخِ لتشملَ:_
الصورُ البصريةُ: سواءٌ الضوئيةُ كقولِهِ: “أَنتِ فكرٌ شعَّ في الدّنيا سَناهْ”، أو اللونيةُ التي توظِّفُ الأخضرَ والأحمرَ والأزرقَ والأسودَ برمزيةٍ عميقةٍ
الصورُ السمعيةُ: كما في “سمعتُ نبضَ القلبِ يجتازُ الصَّحارى والقِفارْ”، و”تضِجُّ بصُداحِ الطُّيورِ، وتغريدِ العَنادلِ وشَدْوِ الحَساسينْ”
الصورُ اللمسيةُ: مثلَ: “يَـقيــنـــــي شُعــــــاعٌ حـــــارقٌ لـفســــادِ” و”ثَوْرةٌ هَوْجاءُ مثلُ النَّارِ في رِيحٍ عَسوفْ”
الصورُ الذوقيةُ: كقولِهِ “كانَتْ مياهُ الشَّوقِ زُلالًا” و”ولعابهم تَصَبَّبَ حامضًا يزكم الأُنوفْ”
الصورُ الشميةُ: كما في “تـضـــوّعُ فــــي أشعــــارِه أَرَجًا” و”يرقُصُ ناشِقًا عِطْرَ الـمِلاحِ”…
التناصُّ
يُعَدُّ التناصُ الدينيّ السمةَ الأبرز في شعرِ الشيخ يوسف، حيثُ يستلهمُ النصوصَ القرآنية والأحاديث النبوية، كما في قولِهِ:_
“فانتِ العقيدةُ للأَنبياءْ” و”والكتابُ باليمينِ على الصِّراطِ الـمستقيمْ”. كما يوظِّفُ قصص الأنبياءِ والسيرةَ النبويةَ لإثراءِ معاني نصوصِهِ
وتتميزُ الصورةُ الشعريةُ عندَ عبدِ الرحيمِ الشيخِ يوسفَ بالثراءِ والتنوعِ، فهيَ تجمعُ بينَ الانزياحِ بنوعَيهِ والصورِ الحسيةِ المتعددةِ والتناصِّ العميقِ، ممَّا يجعلُ نصوصَهُ فضاءً مفتوحاً للتأويلِ والتفاعلِ، وتعكسُ هذهِ الصورُ عمقَ تجربتِهِ الشعريةِ وقدرتَهُ على تشكيلِ لغةٍ شعريةٍ خاصةٍ، تتجاوزُ المباشرةَ والتقريريةَ إلى آفاقٍ رحبةٍ منَ الإيحاءِ والرمزِ
تَجَلِّيَاتُ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ فِي شِعْرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الشَّيْخِ يُوسُفَ
تَأَلَّقَ شَاعِرُنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ الشَّيْخِ يُوسُفَ فِي تَشْكِيلِ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ بِمَهَارَةٍ فَائِقَةٍ، فَأَضْفَى عَلَى نُصُوصِهِ ثَرَاءً جَمَالِيًّا وَعُمْقًا فِكْرِيًّا يَسْتَوْقِفُ الْمُتَلَقِّيَ. وَتَتَجَلَّى بَرَاعَتُهُ الشِّعْرِيَّةُ عَبْرَ مَحَاوِرَ مُتَعَدِّدَةٍ نَسْتَعْرِضُهَا فِيمَا يَلِي:_
أَوَّلًا: فَضَاءَاتُ التَّنَاصِّ وَتَجَلِّيَاتُهُ
اسْتَثْمَرَ الشَّاعِر التَّنَاصّ بِأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَة، فَأَحْيَا التَّارِيخ فِي نُصُوصِهِ حِينَ اسْتَدْعَى شَخْصِيَّة هُولَاكُو، لِيَرْسُمَ مُفَارَقَةً بَدِيعَةً بَيْنَ وَحْشِيَّةِ الْمَغُولِ وَتِكْنُولُوجِيَا الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، فَإِذَا بِالصَّارُوخِ الذَّكِيِّ “يَرْسُمُ غَبَاءَ الْمَغُولِ” فِي صُورَةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَاتِ وَتَكْشِفُ عَنْ رُؤْيَةٍ عَمِيقَةٍ لِلصِّرَاعِ بَيْنَ الْإِرَادَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْقُوَى الْمُسْتَبِدَّةِ
كَمَا اسْتَلْهَمَ التُّرَاثَ الْأَدَبِيَّ، فَامْتَزَجَتْ فِي نُصُوصِهِ أَصْدَاءُ “مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ أَمْشِي” لسميح القاسم وَتَنَاغَمَتْ مَعَ أَشْعَارِ الطُّغْرَائِيِّ وَالْكَاظِمِيِّ، وَتَعَانَقَتْ مَعَ رُمُوزٍ شِعْرِيَّةٍ كَهِنْدٍ وَدَعْدٍ وَابْنِ رَبِيعَةَ وَالْمَجْنُونِ، فَأَثْرَى بِذَلِكَ نَسِيجَهُ الشِّعْرِيَّ وَأَكْسَبَهُ عُمْقًا دَلَالِيًّا يَسْتَفِزُّ الذَّاكِرَةَ الثَّقَافِيَّةَ لِلْمُتَلَقِّي.
وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، بَلْ مَزَجَ بِعَبْقَرِيَّةٍ بَيْنَ الْأُسْطُورَةِ الْإِغْرِيقِيَّةِ وَالْمَوْرُوثِ الْعَرَبِيِّ، فَجَمَعَ بَيْنَ لَايُوسَ وَسَفِينْكْسَ وَأَنْتِيجُونَا مِنْ جِهَةٍ، وَأَبِي زَيْدٍ الْهِلَالِيِّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، لِيَطْرَح أَسْئِلَة وُجُودِيَّةً حَوْل الْقَدَر وَالْمَصِيرِ وَالْإِرَادَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي مُوَاجَهَةِ الْحَتْمِيَّات..
ثَانِيًا: النَّسِيجُ الصَّوْتِيُّ وَالْإِيقَاعِيُّ
أَبْدَعَ الشَّاعِرُ فِي تَشْكِيلِ الْبِنْيَةِ الْإِيقَاعِيَّةِ لِنُصُوصِهِ، فَوَظَّفَ التَّكْرَار تَوْظِيفًا فَنِّيًّا رَفِيعًا، فَتَتَرَدَّدُ عِبَارَاتٌ مِثْلُ: “عَاشَ الْوَطَنْ” وَ”اللهُ أَكْبَرُ” وَ”عُدْ فَقِيرًا” لِتَخْلُقَ نَبْضًا مُوسِيقِيًّا يَتَنَاغَمُ مَعَ الدَّلَالَةِ وَيُعَمِّقُ الْأَثَرَ النَّفْسِيَّ فِي الْمُتَلَقِّي
وَتَبْرُزُ بَرَاعَتُهُ فِي اسْتِخْدَامِ الْأَلْفَاظِ الِاهْتِزَازِيَّةِ ذَاتِ الْجَرْسِ الْمُوسِيقِيِّ الْمُمَيَّزِ، فَتَتَرَاقَصُ فِي نُصُوصِهِ كَلِمَاتٌ مِثْلُ: “جَلْجَلَتْ” وَ”زَقْرَقَتْ” وَ”يُشَعْشِعُ” وَ”يُسَقْسِقْ” وَ”يُجَرْجِرُونَ”، فَتُضْفِي عَلَى النَّصِّ حَيَوِيَّةً وَحَرَكَةً تَجْعَلُ الْقَصِيدَةَ كَائِنًا نَابِضًا بِالْحَيَاةِ، يُخَاطِبُ الْأُذُنَ وَالْوِجْدَانَ مَعًا.
ثَالِثًا: تَشْكِيلُ الصُّورَةِ الْفَنِّيَّةِ وَوَظَائِفُهَا
بَرَعَ الشَّاعِرُ فِي رَسْمِ صُوَرٍ تَعْتَمِدُ عَلَى الْمُفَارَقَةِ وَالتَّضَادِّ، فَيُصَوِّرُ الْوَطَن: “بِذُبَابِهِ وَذِئَابِهِ” وَ”كُلَيْبِهِ وَكِلَابِهِ”، لِيَكْشِفَ التَّنَاقُضَاتِ وَيُثِيرَ التَّفْكِيرَ النَّقْدِيَّ. كَمَا اسْتَثْمَرَ الرُّمُوزَ الطَّبِيعِيَّةَ بِعُمْقٍ، فَالنَّحْلَةُ تَجْمَعُ “رَحِيقَ الْعُمْرِ مِنْ بَيْنِ الصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ”، وَالدَّوْحَةُ تَشْمَخُ “بِجِذْعِ الْأَصْلِ مَوْفُورَ الظِّلَالِ”، فِي صُوَرٍ تَتَجَاوَزُ الْوَصْفَ السَّطْحِيَّ إِلَى عُمْقِ الرُّؤْيَة الْفَلْسَفِيَّة لِلْوُجُود…
لَقَدِ اسْتَطَاعَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الشَّيْخِ يُوسُفَ أَنْ يَمْزُجَ بِعَبْقَرِيَّةٍ بَيْنَ التُّرَاثِ وَالْمُعَاصَرَةِ، وَبَيْنَ الْفِكْرِ وَالْجَمَالِ، فَجَاءَتْ نُصُوصُهُ مُتَجَاوِزَةً لِلْغِنَائِيَّةِ الْبَسِيطَةِ، مُتَوَغِّلَةً فِي آفَاقٍ تَأَمُّلِيَّةٍ تَسْتَنْطِقُ التَّارِيخَ وَتَسْتَشْرِفُ الْمُسْتَقْبَلَ، لِتُشَكِّلَ وَثِيقَةً جَمَالِيَّةً تَحْمِلُ رُؤْيَةً نَقْدِيَّةً عَمِيقَةً لِلذَّاتِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَتَفْتَحُ أَمَامَ الْمُتَلَقِّي أَبْوَابًا مُتَعَدِّدَةً لِلتَّأْوِيلِ وَالتَّفَاعُلِ مَعَ النَّصِّ الشِّعْرِيِّ بِكُلِّ تَجَلِّيَاتِهِ .